: آخر تحديث
المخرجة جينيني سجلت فيه لحظة مصالحة مع زمن نقي من التعدد والتلاقي

"مقبولين، ضيوف تومليلين" فيلم وثائقي يحتفي بذاكرة التعايش في الرباط

13
13
6

إيلاف من الرباط: على يمين السجاد الأحمر لسينما "النهضة" بالعاصمة المغربية الرباط،جلست المخرجة المغربية يزة جينيني تبتسم وتستقبل ضيوفها بعفوية دافئة ونظرة امتنان تخفي بين طياتها عمق الرسالة التي جاءت تحملها مساء الخميس. 

وسط بهو السينما، أحاط بها أصدقاء ومعجبون، بعضهم تتبع مسارها الفني منذ البدايات، وآخرون جاءوا يكتشفون جديدها الوثائقي الذي يشهد لها مجدداً بأنها واحدة من أبرز من نبشوا في الذاكرة المغربية المهملة.
ٱخر انتاجاتها، فيلمها الوثائقي "مقبولين، ضيوف تومليلين"، لم يكن مجرد شريط سينمائي تابعه الجمهور لمدة 43 دقيقة، بل سجل لحظة مصالحة مع زمن نقي من التعدد والتلاقي، حين فتحت أديار تومليلين في جبال الأطلس المتوسط أبوابها لشباب من ديانات وثقافات متعددة، وجعلت من الحوار والتفكير جوهر اللقاءات الدولية التي احتضنها الدير ما بين 1952 و1968.

في القاعة، جلس الحضور منصتين، منهم من عاش التجربة، ومنهم من تعرف لأول مرة على هذه الصفحة المنسية من تاريخ المغرب. سردت جينيني قصتها بصوت هادئ، من خلال صور أرشيفية نادرة، وشهادات مؤثرة لرجال ونساء كانوا هناك، وشهدوا على ذلك الزمن الذي انتصر فيه الحوار على الانغلاق، والتسامح على التعصب.

اختارت جينيني أن تنبش الذاكرة الجماعية من خلال عدسة سينمائية شفافة، تستدعي التاريخ من دون أن تجمده، بل تعيد إليه نبضه من خلال شخصيات بارزة، منها المستشار الملكي أندري أزولاي، والدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، والمطران الإسباني كريستوبال لوبيز روميرو، وكلهم تحدثوا عن تلك التجربة الاستثنائية التي جمعت في تومليلين بين مسلم ومسيحي ويهودي، في فضاء واحد يسائل المعنى، ويحتفي بالاختلاف.
تجربة الرهبان البندكتيين لم تكن دينية فحسب، بل تنموية بالأساس، حيث انخرطوا، بدعم من ملك المغرب الراحل محمد الخامس، في مبادرات تربوية واجتماعية غيرت وجه منطقة أزرو، قبل أن تتحول تومليلين إلى منتدى عالمي مصغر، سبق زمنه وطرح أسئلة ما زال العالم يبحث لها عن أجوبة.

الفيلم، الذي أنتجته مؤسسة "ذاكرات من أجل المستقبل" بدعم من برنامج "ذاكرة" التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، جاء كجزء من مشروع يروم إعادة الاعتبار لهذا الموقع الرمزي، الذي يمثل قيمة مضافة لذاكرة المغرب المتعددة والمنفتحة.
بعد نهاية العرض، وقف الجمهور طويلاً وصفق بحرارة. لم يكن تصفيقاً لفيلم جميل فقط، بل عرفاناً لمخرجة اختارت أن تصون ذاكرة مشتركة كادت أن تذوب في صخب التحولات السياسية. وخارج القاعة، عادت يزة إلى موقعها بين جمهورها، تستمع، تبتسم، وتؤكد أن "مقبولين" ليس فقط فيلمًا بل رسالة حب وسلام وتعايش.
ووعدت جنيني الحضور  بتنظيم جولة للفيلم داخل عدد من القاعات السينمائية المغربية، مع برمجته ضمن مهرجانات وتظاهرات دولية، حاملاً من المغرب رسالة وفاء لقيم الانفتاح والتسامح، التي شكّلت منذ قرون جوهر الهوية المغربية. لأن "مقبولين، ضيوف تومليلين" بات يشكل تأريخا بصريا لتجربة منسية، ودعوة حية لاستحضار ما يجعل من العيش المشترك خياراً وليس مجرد شعار. 

في زمن تتعالى فيه النزعات الإقصائية، يأتي هذا الشريط ليعيد الاعتبار لما هو إنساني، متجاوزاً الطوائف والانتماءات، ومذكّراً بأن المغرب، عبر التاريخ، ظل أرضاً تقبل الآخر... عن حب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات