إيلاف من دبي: في لحظةٍ تستعيد فيها الكلمات قدرتها على إضاءة المجهول، أعلنت جائزة "نيوستاد" العالمية، التي تُعرف في الأوساط الأدبية بـ"نوبل الأميركية"، عن قائمتها القصيرة للدورة الحالية، متضمنةً اسم الروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصرالله، كمرشّح عربي وحيد من بين تسعة أدباء وشعراء من مختلف أنحاء العالم.
تأتي هذه الإشارة العالمية إلى نصرالله عبر روايته الملحمية "زمن الخيول البيضاء"، التي تمثل إحدى المحطات الأبرز في مشروعه السردي، إذ تعيد تركيب الذاكرة الفلسطينية من خلال سردية عائلية-قروية تمتد عبر ثلاثة أجيال، وتغوص في طبقات التاريخ المتشابك من العثمانيين إلى الانتداب البريطاني وصولًا إلى نكبة عام 1948.
الرواية، الصادرة عن "الدار العربية للعلوم" في بيروت، ليست مجرد عمل أدبي بل معادل سردي للهويّة، حيث تتحول الخيول إلى كائنات رمزية تُجسد الكرامة والتاريخ والانكسار في آنٍ واحد.
وُلد إبراهيم نصرالله في عمّان عام 1954، لأبوين فلسطينيين هُجّروا من قريتهم البريج قضاء الرملة، وتلقى تعليمه الأولي في مدارس وكالة الغوث في مخيم الوحدات، قبل أن ينال دبلومًا في التربية وعلم النفس من دار المعلمين في العاصمة الأردنية. تلك النشأة ستظل تنبض في جميع أعماله، التي تجاوزت ثلاثين إصدارًا، تنوّعت بين الرواية والشعر وأدب السيرة.
في تعليقٍ له عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، كتب نصرالله: "أن تُنافس رواية 'زمن الخيول البيضاء' على جائزة نيوستاد التي تُوصف بأنها نوبل الأميركية، فإن هذا يقول الكثير عن تمكّن الأدب الفلسطيني من تمثيل سرديته الوطنية، وقدرته على تخطّي الأطر التي تحكم عادة الجوائز الكبرى".
بدوره، علّق روبرت أونديانو، المدير التنفيذي لمجلة World Literature Today الراعية للجائزة، بالقول: "نعيش في زمن عصيب، وجائزة نيوستاد التي تكرّم أفضل كُتّاب العالم، تُمثّل منارة أمل للمسيرة الإنسانية"، مضيفًا: "الأدب يُعزّز قدرتنا على إدراك هويتنا وما يمكن أن نصبح عليه".
تُعد جائزة "نيوستاد"، التي انطلقت عام 1970، من أبرز الجوائز الأدبية الدولية، وقد احتضنت على مدى تاريخها أسماء بارزة من مختلف التيارات واللغات، من غابرييل غارسيا ماركيز إلى آسيا جبار، ومن توماس ترانسترومر إلى نور الدين فرح. وتُمنح الجائزة كل عامين، بناءً على ترشيحات من كتّاب ونقاد ومترجمين أكاديميين بارزين.
وفي هذه الدورة، تضم القائمة القصيرة إلى جانب نصرالله، الشاعرة السودانية الأميركية صافية الحلو، والروائي الفرنسي ماتياس إينار، والكاتبة اليابانية يوكو تاودا، إلى جانب أسماء أدبية وأكاديمية من أوكرانيا، وأميركا، وغيرها.
رغم تعدّد أعماله بين الشعر والرواية، يظل نصرالله أحد أبرز الأصوات التي قاربت القضية الفلسطينية من موقع أدبي مُتجذر، بعيدًا عن الشعارات، مستندًا إلى سردية مركبة تستحضر المكان، والإنسان، والتحوّلات العميقة في البنية الاجتماعية والسياسية.
في مجموعته الشعرية الأخيرة "مريم غزة" (2024)، كما في مشروعه الروائي "الملهاة الفلسطينية"، لا يتوقف نصرالله عند حدود الإدانة أو التأريخ، بل يفتح حوارًا داخليًا بين الذاكرة والمستقبل، بين الحب والخسارة، بين الوطن المأهول بالحرب والمقاومة، والوطن الممكن، القابل للترميم من خلال اللغة.
ترشيحه إلى جائزة "نيوستاد" لا يعبّر عن لحظة احتفاء فردية، بقدر ما يُجسد حضور الأدب العربي والفلسطيني في ساحة يتقلّص فيها الهامش الإنساني أمام العناوين الكبرى للصراع، وهو تذكير بأن السرد، حين يُكتب بضميرٍ عميق، يستطيع أن يعبر الحدود، ويصل إلى حيث تعجز السياسات.