: آخر تحديث

رشوة رخيصة

7
6
5

هناك تقارير نقلتها وكالة أسوشيتد برس نقلاً عن مسؤولين أميركيين تقول إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعتزم الإعلان عن اعتماد تسمية "الخليج العربي" رسميًا داخل الولايات المتحدة بدلاً من "الخليج الفارسي" خلال زيارته المرتقبة إلى السعودية وقطر والإمارات في الأسبوع المقبل (من 13 إلى 16 أيار - مايو 2025).

يُعرف المسطح المائي حاليًا باسم "الخليج الفارسي" بشكل واسع منذ القرن السادس عشر، لكن الدول العربية تفضل تسميته "الخليج العربي" أو "خليج العرب".

سبق أن هددت إيران بمقاضاة شركة جوجل عام 2012 لعدم تسمية الخليج بشكل واضح على خرائطها. وتظهر خرائط جوجل في الولايات المتحدة الاسمين معًا: "الخليج الفارسي (الخليج العربي)"، بينما تكتفي آبل بـ"الخليج الفارسي".

بالطبع، يمكن لترامب تغيير الاسم لأغراض رسمية داخل الولايات المتحدة، لكنه لا يستطيع إلزام الدول الأخرى باستخدام التسمية الجديدة. لكن ما أراه أن هذا الاتجاه، إذا ثبت صحته، لا يمكن أخذه إلا على أنه "رشوة" رخيصة من قبل ترامب... ليس إلا! يأتي في إطار تقارب ترامب مع دول الخليج لجذب استثماراتها.

ورغم أن البيت الأبيض أو مجلس الأمن القومي الأميركي لم يعلق رسميًا على الخبر، إلا أنني لا أظن شخصيًا أن التسميات يمكن أن تغير من الأمر شيئًا فيما يختص بالقوة والسيطرة، فلن يعطي اسم "العربي" على الخليج قوة إضافية للدول التي تقع في نطاقه، أقصد دول الخليج العربية، ولا تزيدها شيئًا. فالواقع أنَّ إيران ربما تمتلك من الاستراتيجية والعزم ما يجعلها تسيطر على المنطقة بشكل أو بآخر، ولن تغيّر التسمية من هذا الواقع.

أعتبرها رشوة رخيصة من الرئيس ترامب، خاصَّة أنه مستمر في التفاوض الجاد مع إيران، وقام مؤخرًا بالإعلان عن عزل مستشار الأمن القومي الأميركي لأنه كان يخطط لتأييد عمل عسكري مع المؤيدين لهذا الاتجاه في الإدارة الأميركية ضد إيران.

لو كان ترامب يريد تأييد دول الخليج وشد أزرها، لكان وقف ضد أطماع إيران وسياساتها العدوانية في المنطقة، وأعلن على سبيل المثال، ولو فقط لاستفزاز إيران، مساندته للمطالبات الإماراتية باسترجاع الجزر العربية التابعة للإمارات العربية المتحدة، التي استولت عليها إيران منذ سنوات طويلة. لذا لا أعتبر أن الإعلان الأميركي باعتماد تسمية "الخليج العربي" سيضيف أي شيء إيجابي، بل هو استمرار في التهويش، والطريقة الترامبية في "التهجيص"، كما أكدت في كتابي عن الرئيس ترامب الذي أصدرته في تشرين الأول (أكتوبر) 2024 الماضي بعنوان: (الردحيولوجي: سياسة ترمب).. ليس إلا.

إنَّ الواقع الاستراتيجي، وطبيعة الصراع الجيوسياسي في المنطقة يتجاوزان مجرد التسميات. ودعني أعلّق على هذا الواقع بطريقة منهجية:

1- التسميات كـ"رشوة سياسية":
لذا أعتبر وصف خطوة ترامب المحتملة بأنها "رشوة رخيصة". التاريخ يثبت أن تغيير التسميات لا يغير الحقائق على الأرض. مثال:

- روسيا ما زالت تسيطر على القرم رغم رفض أوكرانيا والعالم الاعتراف بضمها.

- الصين تفرض سيطرتها على بحر الصين الجنوبي رغم تسميته دوليًا بشكل مختلف.

هذه الخطوة إن حصلت ستكون إشارة دبلوماسية أكثر منها تغييرًا استراتيجيًا، وربما تهدف إلى:

- كسب دعم عاطفي من دول الخليج.

- إضعاف الموقف الإيراني نفسيًا قبل مفاوضات محتملة.

2- القوة الإيرانية مقابل التسميات:
إيران تمتلك أوراق قوة ملموسة لا تتأثر بالأسماء:

- النفوذ العسكري: عبر حلفائها في العراق وسوريا واليمن (مثل الحوثيين).

- الممرات المائية: سيطرتها الفعلية على مضيق هرمز الذي يمر عبره 20 بالمئة من نفط العالم.

- القدرات الصاروخية: ترسانة صواريخ باليستية تهدد كل المنطقة.

حتى لو غيّرت أميركا التسمية، إيران ستستمر في استخدام "الخليج الفارسي" كما فعلت مع خرائط جوجل وآبل.

لكننا يمكن أن نتساءل: هل يمكن أن تكون التسمية مقدمة لتحركات أخرى؟

ربما. لكن يجب قراءة ذلك في سياق اللعبة الكبرى:

- الجانب الاقتصادي: ترمب قد يريد ضمان استثمارات خليجية (مثل صفقات الأسلحة أو استثمارات "أركانا" السعودية في وول ستريت).

- الجانب العسكري: لو كان هناك تحرك ضد إيران (مثل ضرب منشآت نووية)، فستكون هذه الخطوة لـ"تحفيز" الحلفاء العرب.

لكنك محق في التشكيك بفعاليتها: فدول الخليج تعلم أن إيران لن تتراجع عن جزرها المحتلة (طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى) بمجرد تغيير الاسم.

3. المفارقة الأميركية (تفاوض + تهديد):
لاحظت تناقضًا مهمًا: كيف يدير ترامب مفاوضات مع إيران (ربما حول النووي) بينما يقدم تنازلات للخليج؟ هذه استراتيجية كلاسيكية:

- الضغط على طهران عبر تقوية خصومها.

- إعطاء وهم للخليج بأن أميركا معهم لاستخراج مكاسب منها.

لكن التاريخ يقول إن إيران ماهرة في تحويل هذه الخطوات لصالحها:

- قد تستخدمها كذريعة لتسريع برنامجها النووي.

- أو لتعزيز تحالفاتها مع روسيا والصين.

4. الخلاصة:
إنَّ التسميات أداة دعائية أكثر منها تغييرًا جذريًا. القوة الحقيقية تكمن في:

- السيطرة العسكرية (مثل وجود إيران في الجزر المتنازع عليها).

- الاقتصاد (عقوبات أميركا على إيران مقابل استثمارات الخليج).

- الحلفاء (إيران تمتلك شبكة ميليشيات، بينما الخليج يعتمد على الضمانات الأميركية الهشة).

لو أراد ترامب مساعدة الخليج حقًا، فسيساعدهم في:

- استعادة الجزر المحتلة (وهو مستبعد لأنها معركة ستجر أميركا لحرب مفتوحة).

- ضمانات أمنية حقيقية (بدلًا من وعود قد تتبخر كسابقاتها).

لكن يبقى السؤال الأهم: هل دول الخليج نفسها مستعدة لمواجهة إيران عسكريًا لو حصلت أزمة؟ لأن التسميات لن تحميها من صواريخ "خاتم الأنبياء"!

وأخيرًا... لقد سبق، منذ أكثر من سبع سنوات، أن وصفت سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنها "عجينة" من الكلام المتناقض الذي لا يؤدي إلى شيء، يمثلها مثل شعبي يقول: (طبطب وليس... يطلع كويس)، وإذا "مطلعش"، و"انحرق"... نضع المسؤولية على "الخباز"!

وقد عرفت (الترامبية Trumpism) من قبل بأنها، في رأيي الشخصي، ليست إلا "حاجات صغيرة فوق بعضها، غير مرتبطة، لا شكل لها ولا طعم ولا لون.. لكن لها صوتًا عاليًا، لا يذكر صاحبها غدًا ما قاله اليوم"!

 

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف