: آخر تحديث

ما عدا مما بدا!

2
2
2

عندما كان هارون الرشيد يخاطب الغيمة: "أمطري حيثما شئتِ فسوف يأتيني خراجك!"، فإنه كان يتكلم عن ثقة واعتداد بسعة ملك الدولة العباسية في عهده. أما المستعصم بالله، آخر خلفاء بني العباس، فينقل عنه أنه قال – بحسب ما يُنسب إليه – حينما كان هولاكو يحاصر بغداد بجيشه الجرار: "بقت لي بغداد في الآفاق، أيستكثرونها عليّ؟". ومن دون شك فإنَّ كليهما، أي الرشيد والمستعصم بالله، كانا صادقين في قوليهما، إذ إن الواقع السائد في كلا العصرين كان هو الذي يملي على الخليفة قوله.

بعد تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي كان في ظاهره صداعًا لإسرائيل، لكنه في حقيقة أمره كان فتنة ومصيبة نزلت على رأس بلدان العالمين العربي والإسلامي، لا سيما أنه مع مجيء هذا النظام تم فتح الكثير من المسائل والمواضيع المثيرة للفتن والاختلافات والتي لم يعد لها رواج. ومع أن الخميني قد شدد على فناء إسرائيل، وفي الوقت الذي كان فيه المنبهرون بقوله هذا يشيدون به ويثنون عليه بلا حساب، فإنَّ طهران كانت تتحرك بقنابلها وألغامها الطائفية صوب بلدان المنطقة لتستفرد بأربعة منها إضافة إلى غزة حماس.

فناء إسرائيل كما رسم معالمه الخميني، يجب أن يبدأ في موسم الحج ومن بيت الله الحرام، وكل عام كان العالمان العربي والإسلامي على موعد مع الضجة الخمينية المفتعلة بالدعوة إلى تسييس موسم الحج، وما تسبب ذلك من مشاكل جعلت الأنظار تتجه إلى الخلاف الإسلامي ـ الإسلامي وليس إلى الخلاف الإسلامي ـ الإسرائيلي. ومن دون شك فإنَّ ما قامت به جمهورية الخميني من ضجيج مفتعل في موسم الحج لم يكن له من تأثير على أرض الواقع، بل وحتى لم يكن إلا مجرد هواء في شبك.

إقرأ أيضاً: تفکيك النظام وليس البرنامج النووي

خامنئي، خليفة الخميني، سعى كثيرًا لكي يسير على نهج سلفه في هذا الموضوع ومواضيع أخرى كان قد رسم أبعادها ودعا للتمسك بها. لكن يبدو أنه مع مرور الأيام، تبيّن لخامنئي أنه يسير في طريق مسدود ويدعو إلى أمر لا يستجيب له سوى أولئك الذين تم إرسالهم عنوة إلى مكة ليرددوا شعارات لا تمت للمراسم العبادية للحج بصلة!

في كلمته أمام مسؤولي هيئة الحج، في الرابع من الشهر الجاري، لم يُكلّف خامنئي نفسه عناء الحديث عن مراسم الحج العبادية ـ السياسية كما هو معروف وسائد في أدبيات هذا النظام، وبدلاً من ذلك ركّز على ما سماه "وحدة الأمة الإسلامية" التي رأينا النماذج الخمينية لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إذ كانت هناك طاحونة دموية وليس وحدة إسلامية. ويبدو أنَّ خامنئي يسعى للاستنجاد بالدول الإسلامية ليهبّوا لنصرة نظامه الذي أرهق بلدان المنطقة بحروب وأزمات ليس من السهل التخلص من آثارها وتداعياتها بسهولة.

إقرأ أيضاً: أحقاً أن الحرب والإرهاب بالوكالة إلى غير رجعة؟

من يتحدث عن الوحدة الإسلامية ويدعو لها، لا يقوم بتأسيس وتمويل ميليشيات في بلدان المنطقة تعمل على العكس من ذلك تمامًا، وإن كل ما يحدث في المنطقة من خلاف وفتن طائفية له علاقة جدلية بجمهورية الخميني ومشروعها المشبوه في المنطقة. والأنكى أنَّ خامنئي يتحدث عن الاتحاد والتعاون، في حين أن صواريخه تُخزَّن بجانب بيوت الفقراء في بندر عباس لتنفجر وتفتك بهم، مع ملاحظة أنَّ خامنئي تناول مسألة هذا التفجير المشبوه بأنها واحدة من "الحوادث المتنوعة" التي قد تواجهها المؤسسات في أي بلد، ليمضي بعدها في حديث وعظي عن "الصبر" و"الأجر"، كأنما نحن أمام كارثة طبيعية، لا أمام تفجير قاتل سببه تخزين سري لمواد صاروخية شديدة الانفجار في منطقة مدنية، وبعلم وحماية أجهزة النظام!

كلمة خامنئي أمام هيئة الحج، والتي رأينا فيها تراجعًا مكشوفًا عما يسمونه "المواقف المبدئية الثابتة للجمهورية الإسلامية" فيما يتعلق بالحج والتملّص من تسييسه، تُذكرنا أيضًا بما كان قد أكده الخميني من أن: اليد التي تمتد من إيران لمصافحة أميركا ستُقطع! ولكن في عهد خليفته خامنئي، لم يكتفوا بالمصافحة مع الأميركيين فقط، بل وحتى خرجوا معهم في نزهة بالدراجات الهوائية، واسألوا محمد جواد ظريف عن ذلك!

إقرأ أيضاً: سقوط الأسد وتأثيراته على إيران

قال أحدهم وهو يروي مآثره في الصيد داخل مجلس إنه اصطاد عشرات الأرانب بسهم واحد، فقال واحد من الذين يعرفونه عن قرب: ماذا؟ عشرات الأرانب بسهم واحد؟ فأجابه مستدركًا: لا، لا، تذكرت، عشرة أرانب! فأردف الذي يعرفه: بسهم واحد أصبت عشرة أرانب؟ من يصدق هذا؟ فأجابه المتحدث وقد ظهر الحرج عليه: لا، لا، أقل من ذلك، يعني خمسة أرانب! وسأله رجل آخر في المجلس: كيف تسنّى لك اصطفاف خمسة أرانب لتصيبهم برمية واحدة؟ هذا أمر لا يُصدق! فأجاب المتحدث وقد ظهر عليه الارتباك بوضوح: الحقيقة أصبت أرنبين ولن أتنازل عن قولي هذا، وليصدق من يصدق، ولا يصدق من لا يريد!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.