من فوائد تطبيق مثل هذا القرار تقليل تضارب المصالح، فالقادم من خارج النسيج المحلي، أو محيط عمله، يكون عادة أقل خضوعاً لضغوط العائلة والقبيلة والطائفة والمحسوبية، ما يساعد، نظرياً وعملياً، على تطبيق القانون بشكل أكثر حياداً وعدلاً. كما يقوي مثل هذا التعيين من ولاء الموظف للمؤسسة لا للعصبية المحلية، ويكون انتماؤه للدولة والقانون والنظام الإداري، وليس لشبكة العلاقات المحلية، الأسرية، التي قد تضغط عليه بغية تجاوز الأنظمة أو تغيير القرارات لمصلحة المحيط الاجتماعي للمسؤول. كما يسهم في كسر الصورة النمطية المتبادلة بين المكوّنات، ويفتح مجالاً للتواصل اليومي والتعامل الإيجابي بدل بقاء العلاقة في إطار إعلامي أو سياسي متوتر، مع تعزيز فكرة المواطنة على حساب الهويات الفرعية: حين يرى الناس أن مسؤولاً من منطقة/طائفة أخرى يدير منطقة ما بشكل مهني ويحترم الجميع، يرسّخ ذلك مبدأ أن المنصب «وطني» لا «محلي»، وأن معيار الاختيار هي الكفاءة لا الانتماء الضيق. كما توسع هذه الطريقة خبرات ومهارات المسؤول، سواء كان محافظاً أو مدرساً، ورفع قدرته على فهم أنماط مجتمعية جديدة والتعامل مع ثقافات فرعية ولغات ولهجات مختلفة، وهي مهارات مطلوبة في الخدمة العامة الحديثة، خاصة مع اختفاء غالبية المجاملات والضغوط العائلية المباشرة، ويسهل عليه بالتالي أن يقول «لا» حين يُطلب منه تجاوز القانون.
لكن تتحول الفكرة لمشكلة إذا كانت التعيينات «استفزازية» أو تُستخدم لمعاقبة منطقة ما، كإرسال مسؤول معروف بعدائه لمكوّن معين إلى منطقة يهيمن عليها هذا المكوّن.
وبالتالي من شروط نجاح هذا النوع من التعيين وجود إطار مؤسسي واضح يحمي استقلال المسؤول ويُلزمه في الوقت نفسه التواصل مع ممثلي المجتمع المحلي، من مجالس محلية ومنظمات مدنية، أو قبلية، أو دينية ومذهبية. واعتماد معايير شفافة للكفاءة والترقية، وإشراك كوادر محلية في الفريق المعاون حتى يشعر المجتمع أن له صوتاً داخل الإدارة، مع بقاء المسؤول الأول فوق الانقسامات المحلية.
ويمكن أن تكتمل الصورة أكثر من خلال تعيين «مدنيين» في جهات دينية أو عسكرية، خاصة لأداء الوظائف ذات الطبيعة «غير الدينية وغير العسكرية».
أحمد الصراف

