شُرِّفتُ بتلقّي دعوة كريمة من الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، للمشاركة كمتحدث في مؤتمر بوآو الآسيوي 2025، الذي استضافت فعالياته العاصمةُ السعودية يوم الخميس الموافق 27 نوفمبر الماضي.
شهد المؤتمر هذا العام، الذي نظمته الشركة بالتعاون مع منتدى بوآو الآسيوي، تحت شعار "التحول نحو التنويع الاقتصادي الإقليمي والتنمية المستدامة"، عقد جلستين رئيسيتين: الأولى بعنوان "الطريق نحو تعزيز مرونة الاقتصاد"، والثانية بعنوان "التحول في مجال الطاقة والتنمية المستدامة".
حظي المنتدى هذا العام الذي انعقد في أجواء تعكس اهتماماً واسعاً بقضايا التنمية الإقليمية والتعاون الدولي، بحضور مميز، حيث شارك فيه أكثر من 300 شخصية بارزة من القيادات السياسية والاقتصادية والأكاديمية، يمثلون ما يزيد على عشر دول ومناطق، إضافة إلى عدد من المنظمات الدولية.
من بين أبرز الشخصيات التي أثرت المؤتمر بكلماتها ومشاركتها في الجلستين، معالي السيد بان كي-مون، رئيس منتدى بوآو الآسيوي والأمين العام السابق للأمم المتحدة، الذي أكد في كلمته الافتتاحية على أن "العالم أصبح أقل قابلية للتوقع، وأكثر انقساماً، وأكثر خطورة… ومع ذلك، فإن الحلول المجربة والنماذج الناجحة ليست قليلة." وشدّد على أن دول الشرق الأوسط، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ماضية بثبات في تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي، ومتمسكة بنهج التعددية والانفتاح الاقتصادي.
كما أكدت السيدة جيني شيبلي، رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، على أن عملية التحول الاقتصادي "سهل في الخطاب، صعب في التطبيق"، وتتطلب رؤية استراتيجية وقيادة قوية وإرادة سياسية على المستويين الوطني والإقليمي، مضيفة أن العديد من الدول الآسيوية، ومن بينها السعودية، حققت خطوات بارزة في هذا المسار. وأشارت أيضًا إلى أن الخطوات المستقبلية يجب أن تشمل تطوير رأس المال البشري، وتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز التعددية والتعاون الدولي، إضافة إلى تمكين المرأة وتعزيز الشمول الاجتماعي لدعم النمو الاقتصادي والتنمية المجتمعية.
من جانبه، شدد عبدالرحمن الفقيه، الرئيس التنفيذي لسابك، إنه في الوقت الذي يجري فيه تعزيز نمو الاقتصاد العالمي، من الضروري الدفع بتنويع اقتصادات المنطقة، والتقدم في انتقال طاقة ميسور التكلفة، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وأوضح أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تعاوناً مشتركاً بين جميع الأطراف لتعزيز التجارة والاستثمار وتبادل التكنولوجيا وتحسين سلاسل القيمة الإقليمية، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030 التي حققت تقدماً كبيراً حتى الآن.
وأوضح الأمين العام لمنتدى بوآو الآسيوي، تشانغ جيون، أنه وفقاً لدراسات المنتدى، فإن آسيا لا تواصل فقط دورها كمحرك رئيس للنمو الاقتصادي العالمي فحسب، بل أصبحت أيضاً في طليعة التحول الاقتصادي، مما عزّز من متانة نموها واستدامتها.
ومن خلال مشاركتي في الجلستين، تناولتُ بالحديث عن التحول الاقتصادي النوعي غير المسبوق الذي شهدته المملكة منذ إطلاق رؤيتها الطموحة عام 2016، والتي أسهمت في تنويع القاعدة الاقتصادية وتعزيز الاستدامة المالية. كما أبرزتُ الجهود المبذولة لتطوير بدائل متعددة للطاقة، ومن بينها التوجه نحو تبني مزيج الطاقة الذي مكّن اقتصاد المملكة من تعزيز مرونته وفي مواجهته للتعامل مع الصدمات الاقتصادية العالمية، إضافة إلى التقدم في مجالات الابتكار، مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأمن المعلومات، والسحابة السيادية، والتي أصبحت محركات رئيسة لدعم النمو المستدام وتطوير الاقتصاد الوطني.
أجمع المشاركون في الجلستين، بمن فيهم المتحدثون، على أن تحقيق نمو اقتصادي مستدام يتطلب الاستثمار في تطوير رأس المال البشري، وتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز التعاون الدولي، إضافةً إلى دعم الشمول الاجتماعي بوصفه عنصرًا أساسيًا للنمو الاقتصادي والتنمية المجتمعية.
كما وأكد المشاركون على أن ازدهار الاقتصاد العالمي يستلزم تعاونًا مشتركًا بين مختلف الأطراف لتعزيز التجارة والاستثمار، وتبادل التكنولوجيا، وتحسين سلاسل القيمة الإقليمية، بما يسهم في تحقيق النمو من خلال التنويع الإقليمي.
تجدر الإشارة إلى أن منتدى بوآو الآسيوي (BFA) يقع في الصين، وهو منظمة دولية أُنشئت بمبادرة مشتركة من 29 دولة عضو. وعُقد أول مؤتمر للمنتدى في 26–27 فبراير 2001، شارك في حفلالافتتاح قادة سابقون لـ 26 دولة.
يُذكر أن سابك تواصل تعزيز استثماراتها في الصين، التي تُعد أحد أهم أسواقها الاستراتيجية، مؤكدةً إيمانها بأن التعاون الإقليمي مع الزبائن والشركاء يسهم في ترسيخ أسس النمو الاقتصادي المستدام في عالم يشهد تطورًا متسارعًا. وقد شرعت الشركة في العام الماضي في إنشاء مجمع بتروكيماويات عالمي المستوى بتكلفة بلغت 44.8 مليار يوان، كما وقّعت اتفاقية استثمار محتمل لبناء مصنع لإنتاج مُركّبات البلاستيكيات الحرارية الهندسية في مقاطعة فوجيان بالصين.
شكرًا لـ سابك على منحي هذه الفرصة العظيمة للمشاركة في مؤتمر رفيع المستوى الذي استضافته الشركة للمرة الثانية في الرياض، سواء من حيث مكانة المشاركين أو أهمية الموضوعات التي طُرحت.
كما أود التأكيد على أهمية مشاركة الكُتّاب والاقتصاديين السعوديين في مثل هذه الفعاليات الدولية، لما تتيحه من فرص لتعزيز حضور الفكر الاقتصادي السعودي، وتبادل الخبرات، والمساهمة في صياغة رؤى اقتصادية عالمية تُواكب مكانة المملكة ودورها المتنامي في الاقتصاد العالمي.

