: آخر تحديث

أكاذيب «ألف ليلة وليلة» الجميلة

2
2
2

كنت أعتقد دائماً أن أصل «ألف ليلة وليلة» عربي، لما تضمنته قصصه من أسماء ومدن عربية، وأيضاً لتواضع فهمي. كما دل هذا الإيمان، شبه الأعمى، لدي ولدى غيري، بخطأ التسليم بصحة ومصداقية كل ما بين أيدينا من كتب، دون أن نكلف أنفسنا مشقة التساؤل، إن كانت موضوعة أو محرفة! فالبحث مضنٍ ومكلف، ويشمل الأمر كامل ثقافتنا، فنحن ننتمي لأمة «شفهية»، لا تؤمن أصلاً بالتدوين، ليس كرهاً، بل هذه هي طبيعة الصحراء، وهذه ثقافتها المستمدة من غياب القلم وندرة الورق، والأهم عدم توافر لا المكان ولا الوسيلة لحفظ ما تتم كتابته، وهذه الثقافة هي التي شكلت وعي الأمة على مدى قرون. فالأغلبية لم تدخل في أي عقد، خلاف عقد الزواج، ومع هذا كان يتم شفاهة، حتى ما قبل بضع سنوات، ولا يزال بيننا أحياء، تزوجوا من دون عقد مكتوب، فما بالك بما كانت عليه الحال قبل ألف أو ألفي عام، دع عنك أحداث التاريخ وحقيقة الأقاويل وأنباء المعارك.

من عرض هذه الأشياء كتاب «ألف ليلة وليلة»، فقد اكتشفت أخيراً فقط أنه غير معلوم المصدر، فهو مزيج من الروايات والأساطير الهندية والفارسية والعربية، تُرجمت للعربية في أوائل القرن الثامن الميلادي تحت عنوان «ألف ليلة وليلة»، وأضيف إليها الكثير، واشتهرت في الغرب بعنوان «الليالي العربية»، وجرى مع أوائل القرن الثامن عشر، أي بعد ألف عام من كتابتها، إضافة الكثير إليها، ومن أبرز هؤلاء أنطوان غالان، المستشرق والمترجم الفرنسي لـ«ألف ليلة وليلة» (1704–1717)، الذي أدرج قصصاً لم تكن موجودة في المخطوطات العربية الأصلية، مثل «علاء الدين» و«علي بابا والأربعون لصاً»، و«رحلات السندباد»، وساهم في تشكيل المجموعة بطريقة أثرت بعمق على النسخ اللاحقة وعلى الخيال الثقافي الغربي، والعالمي بالتالي. كما حذف قصصاً، أو أعاد كتابتها وترتيبها، لتناسب الأذواق الأدبية والمعايير الأخلاقية لأوروبا، حينها. كما كان لغيره من الكُتّاب الأوروبيين حكاياتهم «الشرقية» الخاصة، بخلاف ترجمات زائفة، وأجزاء لاحقة مستوحاة منها. وبالتالي ما هو مؤكد أن حكايات الكتاب هي نتاج أكثر من مؤلف، وتغطي حقباً زمنية طويلة، لكنها تطورت، بدءاً من الحكايات الشعبية المتداولة في بلاد فارس وشبه الجزيرة والهند منذ القرنين السادس والتاسع الميلاديين، لذا، فإن «ألف ليلة وليلة» ليست عمل مؤلف واحد أو حقبة زمنية واحدة، بل هي مختارات ديناميكية صاغتها ثقافات ولغات متعددة وقرون من السرد القصصي، وعندما وصلت لبغداد أضيفت إليها قصص هارون الرشيد، وقصص من سوريا ومصر، بغية إكمال ألف ليلة وليلة الموعودة. واستمرت الحكايات في التوسع المستمر. وعليه فإن «ألف ليلة وليلة»، بنسختها الحالية، تعتبر بشكل واسع، من التراث العربي، على الرغم من أسبقية وجود مادة الكتاب في طبعة فارسية بعنوان «هزار أفسان» أو ألف قصة، وهي، غالباً، أصل النسخة العربية. وربما يعود السبب في «سوء الفهم» عن أصل كتاب «ألف ليلة»، وأنه جزء الثقافة العربية، يعود إلى الرسومات الكاريكاتيرية والأفلام السينمائية، التي أضفت الطابع العربي على شخصيات الكتاب، كما تم اكتشاف أقدم نسخة مخطوطة من الكتاب في مصر، وهي محفوظة الآن في المعهد الشرقي بجامعة شيكاغو.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد