: آخر تحديث

قافلة عبد الله عزام التي لم تمرّ بفلسطين

3
4
4

لم تكن تجربة «الجهادي» عبد الله عزّام منفصلة عمَّا نعيشه اليوم على المستويات النظرية الآيديولوجية والأصولية.

إنه مؤسس رئيسي لخطابٍ ذي نمطٍ خاصٍ مزج فيه «القطبيّة» و«المودودية» بالإضافة إلى محتواه الفقهي الديني المحدود.

إنه لم يقاتل في فلسطين وإنما كثّف جهده في آسيا الوسطى حيث القتال الأفغاني آنذاك. أسهم بقيادة ما تُعرف بمرحلة «الجهاد الأفغاني»، وكان يدافع عن فلسطين من كابل، ويعدها الطريق نحو تحرير القدس، بالضبط كما رأى حسن نصر الله أن بيروت والزبداني وصنعاء وبغداد هي الطرق التي تُحرَّر عبرها فلسطين. هذه الخطابات الآيديولوجية متوارَثة وتتلاقى بين التنظيمات الإرهابية سُنيّها وشيعيّها.

كل هذا الجدل حول شخصيّة عبد الله عزام المُلغزة دُرس في كتاب مهم بعنوان «القافلة - عبد الله عزام وصعود الجهاد العالمي» للباحث النرويجي توماس هيغهامر.

ما لفتني فيه فصلٌ عن «فلسطين»، لقد ظلّ استعمال القضيّة عند الأصوليين محلّ امتعاض كأنهم يقومون باستغباء الناس. كل الخطابات للزعامات المتطرّفة تحاول استعمال القدس بغية الحشد وتسوّل المشروعية، وتعزيز التجنيد. لم يخلُ خطاب زعيم لجماعةٍ إرهابية من وعدٍ بتحرير فلسطين؛ من عبد الله عزام إلى أسامة بن لادن وصولاً إلى حسن نصر الله وقاسم سليماني ونعيم قاسم وغيرهم.

ثمة نظريّة مهمة يطرحها المؤلف، فيها يشرح موضوع استعمال الأصوليين للقضية الفلسطينية وطريقة تبويبهم لها؛ كلٌّ على طريقته.

يقول هيغهامر في فصل «أفكار حول فلسطين»: «على الرغم من أن عبد الله عزام غادر فلسطين عام 1967 وأصبح شهيراً بدوره في أفغانستان، فإن فلسطين احتلت موقعاً مركزياً في ذهنه ومنظوره الاستراتيجي. فعلى عكس منظّري (الجهاد) اللاحقين مثل أبو قتادة الفلسطيني أو أبو محمد المقدسي، لم يعطِ عزّام أسباباً عقدية لعدم القتال في فلسطين، وإنما أعطى أسباباً براغماتية فقط. لقد استاء عزام من احتلال مسقط رأسه وتمنى أن يشارك في تحريره، وإن لم يقاتل إسرائيل بشكلٍ شخصي في كثير من الأحيان فهذا لأنه لم تُتَحْ له الفرصة لذلك. مع نهاية عام 1989 قال عزام: «أنا فلسطيني، ولو وجدت طريقاً إلى فلسطين وإلى رحاب الأقصى كان أحب إليّ أن أقاتل فيه». كان من بين كتبه المبكّرة «السرطان الأحمر 1980» و«حماس - الجذور التاريخية والميثاق 1990»، (انظر ص 65 وما تلاها).

وأعلّق على هذا النص بالقول إن التلاقي المقصود والمشاع بين الأصوليين على موضوع «طريق» فلسطين أو القدس لم يكن حديثاً وإنما له تاريخه الآيديولوجي والنظري الممتد، وأهدافه دعائية بحتة، حتى إن المؤلف هيغهامر ذكر أن بعض معارضي عزام كانوا يرون أنه تخلى عن قضيّته الوطنيّة الأصلية الفلسطينية لصالح القتال في أفغانستان؛ وبعض آخر سأله: أليست فلسطين أرض «الجهاد» والرباط؟! ليردّ عزّام في مجلة «الجهاد» بقوله: «إن وجودنا في أفغانستان لا يعني أننا تخلينا عن فلسطين». ثم يضيف المؤلف: «إن عزام كان في دفاعه يحاجج بأن الظروف منعتْه من القتال في فلسطين لأن المقاومة تم اختطافها من اليساريين، والعداوة مع منظّمة التحرير سمة رئيسية في المنتج الآيديولوجي لعبد الله عزام، إذ يُحمّل عزام اليساريين في فلسطين وزر فشل النضال».

الكتاب طويل، أكثر من ثمانمائة صفحة؛ وإنما اخترتُ هذا الموضوع المتعلّق بفلسطين لأُسقطه على الحالة في الإقليم ووضعنا الراهن الذي نعيشه منذ قرن وأكثر من هيمنة الأصولية النظرية عبر موضوع قضيّة محقّة مثل فلسطين؛ لكن الأصوليين يستعملونها عن قصد من أجل ضرب الأنظمة وتخوين الحكام وإرهاب الشعوب والإساءة إلى المشاريع التنموية أو الترفيهية والحيوية.

الخلاصة؛ أن تجربة عبد الله عزام، خصوصاً في موقفه من فلسطين، بيّنت أن الخطاب الأصولي الحالي متوارَث. ما كانت خطابات الأصوليين مختلفة عن مقولات عبد الله عزام وإنما امتداد لها.

لقد اعتذر عزام عن قتال إسرائيل لأن القضيّة صارت بيد اليساريين الفلسطينيين، وأخذ هذا التسبيب مخرجاً له، وباع هذه الحجة لأتباعه وأنصاره، وصدّقوه بكل اغتباط.

الأهم في نظري أن نركّز على أن القضايا الكبرى تُحلّ بالسياسة والأفكار التفاوضية والنقاشات الجادة، لا بالشعارات والقصائد والخطب المحتالة الفتّاكة.

إن ما يقوم به القادة الحكماء حالياً في منطقتنا تجاه فلسطين هو المسار الصحيح الذي يجب على المجتمعات الوثوق به وبمآلاته وأفكاره، والإيمان العميق بصدق المشروع وبنتائجه وثماره.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد