: آخر تحديث

الحرب العالمية الاقتصادية الثالثة

3
3
3

لماذا فقدت الولايات المتحدة الأميركية تركيزها، وبما أثّر على حلفائها المقربين في أوروبا، الأمر ليس خوفا من التمدد الروسي ولا السلاح المتطور الصيني ولا حتى تحالف بريكس وما شابهه، الأمر متعلق بالهيمنة الاقتصادية التي بدأت أميركا تفقدها تدريجيا لاسيما أنه إلى سنين قليلة تحتل المشروعات الأميركية المكان الأول عالمياً في العديد من المجالات: الصناعات والمواد الغذائية والزراعية، والصناعات الجوية، والتداول المالي، مع ثلث الإنتاج الخام العالمي والصناعات العسكرية وتكنولوجيات جديدة وغيرها الكثير وهو ما جعلها البلد الأغنى والأقوى في العالم.

الأن المدّ الاقتصادي الصيني يضرب في كل مكان وللأمام لا يتوقف هو يتقدم وحجم الدين الأميركي يزداد إلى أرقام فلكية.. "هنا مربط الفرس"، فالحرب اقتصادية ولا شيء غيرها وفقا لتصنيف الأهميات الأميركية مرتبة من الأهم كما يؤكد هيرفيه كوتو بيجاري مدير معهد الاستراتيجية المتكاملة في فرنسا بقوله وحسبما وضعه مرتبا حسب الأهمية: "في الولايات المتحدة، متلاحمة، على نحو لافت للنظر، مرتكزة على ثلاثة محاور: استراتيجية اقتصادية عامة، واستراتيجية عسكرية، واستراتيجية ثقافية عامة".

الآن الحرب الاقتصادية في ذروتها حتى إنها بلغت خلال الثماني سنوات الماضية من حدتها وضعا اقترب من السلاح، كما في قضية تايوان بين الصين وأميركا، وهو الأمر الذي جعل من الولايات المتحدة تشخصن العدو بإعلانها المستمر أن ما يقوم به الآخر هو لأجل إضعافها، وتستمر في ذلك إلى أفق أكبر من العدوانية إلى الشيطنة.

الآن الكل في أوروبا يشتكي من أزمات اقتصادية، ولعل الحرب الروسية الأوكرانية وفاتورة الناتو المرتفعة الجديدة قد عصفت بهم، وبما جعلهم مع اليابان غير قادرين على دفع الإتاوة المستمرة لأميركا وهو الذي تعود أن يجعلهم مشاركين في دفع الضرر الاقتصادي عنه، وعليه من يمنع الترنح الأميركي الاقتصادي أكثر من ذلك.

الأزمة العالمية الثالثة أو الحرب العالمية الاقتصادية هي بدون أسلحة، وهدفها فقط البحث عن الخروج من القاع الاقتصادي والانهيارات الاقتصادية، ولعل التأكيد الأكبر على ذلك أن حتى الحلفاء المقربين من أميركا بدأوا يتداولون أن ربط العالم كله بالدولار مجازفة ستؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.. ومن هذا المنطلق فما تفعله أميركا من حلول تجاه الأزمة المالية الصعبة الجارية وقائعها الآن ما هو إلا مسكنات، وعليه فالغرب أجمع يطالب باستراتيجية اقتصادية متكاملة، تحميه من الانهيار.

الأهم في القول إن الأزمة الاقتصادية الجارية بالغة الخطورة، لا سيما أنها مست وبكل جرأة قواعد وأسس النظام الاقتصادي العالمي تحت تأثير ما يحدث في أميركا.. وها هي أوروبا عبر دولها الكبيرة وغير الكبيرة، كل منها يبحث عن حلول لإنقاذ نفسه من الورطة الاقتصادية.. تلك الورطة التي يخشون أن تكون شبيهة بما حدث قبل 35 عاماً في الاتحاد السوفيتي حينما كان قادة السوفيت يغطونها ويتسترون عليها حتى سقطت على رأس غورباتشوف، ليمضي باكياً على انهيار إمبراطورية بلاده، التي لم يعد اقتصادها نافعاً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد