: آخر تحديث

فقه الفهم بين الفلسفة والعلم!

1
1
1

سهام القحطاني

انطلق العلم في منظومة الفهم بطريقة عكسية للنظرية الفلسفية أو الفكرية، الوجود «كمادة» للعلم الذي يؤسس فكرنا العلمي من خلال متلازمات السبب والنتيجة.

فالوجود باعتباره مادة حيّة ثابتة هو الذي يؤسس فهمنا، فنحن نفهم ما ندركه، «فقوة الفعل دليل على الجوهر» وليس كما يرى الفلاسفة أن «الجوهر هو دليل على قوة الفعل».

ولذا وضع العالم «هوكينج» تصورا لتاريخ الكون في كتابه: «الكون قشرة جوز»بالانفجار العظيم كونه الدليل المادي على البداية وليس الأصل الحقيقي لبداية الكون؛ وهو ما يعني أن فهم الوجود في العلم ليس فهما مطلقا، بل هو فهم محدد بحركة الزمان والمكان وحاصلهما من ظواهر وخصائص، وهذه الحركة هي التي تمنح العلم الحياة فحركة الزمان والمكان للوجود المتمثلة في المادة الحية كونها هي «فعل القوة» هي التي تجعل العلم قادرا على الاكتشاف المستمر لكل تغير طارئ لتلك الحركة وما ينتج عنها من ظواهر وخصائص، وهذا المسار المتتابع لإنتاج ظواهر وخصائص لو استطاع العلماء من خلاله تشكيل نظام علمي دقيق لضبطه وكيفية وحدة نشأته وتكراره فإن هذا قد يجعل الإنسان ينجح في اكتشاف أكوان متعددة أو تقديم تفسير لإمكانية وجود أكوان متعددة، وبذلك فنحن أمام تكرار نمطي متعال للفهم العلمي لا الفهم الإنساني لذات الفكرة.

وبالتالي فإن الفهم في العلم هو وجود محكوم بالظواهر والخصائص، ثباته يتعلق بصلاحية القوانين الفيزيائية، لا بالمطلق الثابت.

كما أن اعتبار هوكينج واتباعه «القوانين الفيزيائية» هي أصل حركة الكون هي إشكالية عقلية، تتعلق بسؤال الإيمان –كما ذهب د.عبدالله الغذامي-.

فالفهم في العلم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عقلنة الوجود عبر تحويله إلى معادلات رياضية تحقق بدورها خصائص الأشياء وهوياتها، وبذلك يربط كمالية فهم الوجود بالعلم؛ لأنه ممثل للقيمة والإنجاز والتطور وقابل للقياس.

وليس هوكينج الذي يرى دونية الفهم الإنساني بالمقابل بالقوانين الفيزيائية بل يرى بعض العلماء بأن «فهم الإنسان لا يحظى بالإرادة الحرة لأنه محكوم بالحتمية العلمية التي تحيط به من كل الاتجاهات»، وهذا منافٍ للفهم الإسلامي الذي أوقفتنا عليه شريعتنا الغراء.

إن الذكاء الاصطناعي اليوم من مؤشرات تقويض إرادة الفهم الإنساني الحرّ ضمن مستعمرة الحتمية العلمية.

ومع ذلك فإن القوانين العلمية هي دليل تحقق لأصول الظواهر وليست دليلا مطلقا على الحقيقة الكونية الثابتة، باعتبار أن تلك القوانين قابلة للتغير والتطوير والتعديد بإرادة الله -عز وجل-.

إن الفهم في الفلسفة هو الذي يتحكم في إنشاء القوانين، في حين أن الفهم في العلم هو حاصل وجود القوانين.

إن سيطرة العلم على الفهم الإنساني هو تأسيس لمصطلح «فقه الفهم» المرتبط بأحكام الظواهر وخصائصها وأدلتها، وتحويل أفهامنا إلى قوالب وبرمجيات، وتجردها من حرية السؤال والفكر وتحولنا إلى مجسمات آلية!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد