أحمد المغلوث
كالعادة جلس صاحبنا في رواق بيتهم وبيده مجلة «سندباد» التي يعشقها، وهو يشاهد شقيقته وهي تقوم بعملها الروتيني في مثل هذا الوقت بتجهيز «أتاريك» البيت الأربعة غير الفوانيس والتي سوف تقوم بتوزيعها كعادتها قبل صلاة المغرب على أهم غرف البيت ومن ضمنهم «الرواق» هذا ما تقوم به كل يوم في مثل هذا الوقت.
أما أم فرج خادمتهم الوحيدة فكانت في هذه اللحظة تقوم بتفقد زير الماء «الحب» كما يسميه أهل المنطقة عندها التفتت إلى شقيقته وهي تقول لها باسمة: خلاص كلها أيام وترتاحين من هذا العمل الممل المتعب، ثم قالت: الوالدة قالت: أبوك أخبرها أن هذا الأسبوع سوف تدخل «الكهرب» في بيتكم العامر و»بكره» سوف تبدأ عملية تمديد خشب «اللوايرات» في كل الغرف حتى في غرفة السطح.. قالت ذلك وهي تحسن من وضع حجابها حول وجهها المكتنز وبانت خصلة من شعرها «الجعد» منافسة لسنها الذهبية.. فتوقفت شقيقته مليحة عن عملها وهي تكاد تصرخ من الفرح «حلفي حلفي» أن اللي قلتيه صحيح؟. فنظرت إليها أم فرج نظرة عتاب وهي تقول هذ الخبر أكيد وعمر أمك ما تقول إلا الحقيقة، الله يحفظها، وإذا بصاحبنا الفتى «عاشق سنداد» يضع المجلة جانبا وينحني ساجداً لله ويردد كلمات الشكر لوالده شاكراً وممتناً فسوف يكون لدخول الكهرباء في بيتهم إيجابيات كثيرة، بل إنه حدث عظيم، نعم إنه قرأ في هذه المجلة وغيرها أن الكهرباء عندما تدخل في أي مدينة سوف تحدث تطوراً كبيراً في هذه المدينة أو تلك القرية، بل حتى داخل كل بيت بل وسوف تحدث تغييراً جذرياً في العديد من جوانب الحياة.
كان يردد ذلك بينه وبين نفسه بعدها لم يتردد أن قام محتضنا شقيقته مباركا لها هذا الخبر السعيد، وهو يقول: الحمد لله إن والدنا ومن خلال عمله في شركة الزيت واكتسابه المزيد من المعرفة، ولا تنسين أن أبوي الله يحفظه كان «شاري» بعض الأجهزة الكهربائية الضرورية التي يحتاجها البيت مسبقاً مثل الثلاجة والغسالة والفرن الكهربائي وأودعهم في مستودع « كراج» سيارات خالي، وأكيد بعد ما تشتغل الكهرباء سوف يسارع في إحضارها فوراً..
اعتدلت شقيقته «مليحة» ورجعت إلى الوراء لتسند ظهرها المتعب على أحد المساند في الرواق واختارت المسند الذي بجانبه «تكية» الصقت فيها خمسة مرايات دائرية ألصقت كل واحدة في زاوية والخامسة احتلت المنتصف في تكوين بسيط وجميل، عندها وبعد أن أخذت نفساً عميقاً راحت في حلم يقظة وهي تتصور أن بيتهم سوف يكون مضاءاً وسوف ترتاح من عملية تجهيز «أتاريك» البيت وسوف يشتري والدهم لهم تلفزيون، كما سبق أن قال لهم ليشاهدوا عالما آخرا في هذا الجهاز السحري، عالم فيه الكثير من البرامج الثقافية والترفيهية وحتى عالم الطبخ، وسوف تستمع مع شقيقتها الصغيرة مريم لمشاهدة أفلام ميكي ماوس المضحكة، بل وحتى أفلام إسماعيل ياسين، وقبل أن تسترسل في أحلامها إذا بوالدتهم تعود من بيت شقيقها عبداللطيف حاملة في يدها «قفة» خوصية بها أنواع مختلفة من بشائر فاكهة الصيف، والتي اشتهرت بها منطقتهم، ومنذ القدم وعندما وضعت والدتها القفة من يدها إذا بخادمتها تطلب منهم الله يخليكم لا تلمسون شيء دعوني أولا أتأكد ما فيها شيء، وراحت تقول تذكرون العام اللي فات لما لدغت عقرب صغيرة بنت جارتنا أم فالح لما مدت يدها في قفة التين، وأضافت وهي تهز رأسها الحذر واجب والحمد لله عندنا عيون تشوف وأياد تحس، فتطلعت إليها أم عبدالعزيز وهي تقول زين مسويتي نعم الحذر واجب قالت: ذلك وهي تنزع عبائتها السوداء التي تشبه البشت لوجود تطريز من الزري على الأكتاف والأطراف ووضعتها على مشجب الرواق واتجهت إلى «الحب» وتناولت كأس ماء وكان الكأس مصنوع من نفس نوعية المادة التي صنع منها «الحب» الفخار.. بعدها جلست بجانب ابنتها والسعادة تزبد ملامحها جمالا فوق الجمال وراحت تحمد الله كثيراً ويدها اليمنى ممسكة بسبحتها السوداء المطعمة بالعاج.. خلال ذلك أقبلت خادمتها حاملة سلة خوصية جمعت فيها أنواعا مختلفة من الفاكهة، رطب غر، وتين وخوخ وعنب أسود، وتقدموا جميعاً ليتناولو «بشائر الفاكهة»، أما أم فرج فلقد ذهبت لإحضار دلة «القهوة» الرسلان التي كانت شبه جاهزة في «وجاق» الرواق.