: آخر تحديث

الاحتراق النفسي

3
4
4

سارة النومس

قبل أن أدخل في صلب مقالي النفسي - الوظيفي، فإنني لا أجد قلمي إلا منقاداً للحديث عن مأساة العصر الحديث: غزة...

فالأخبار التي تَنشر يومياً عدد الشهداء هناك، تذكرني بالأيام التي عشناها مع فيروس كورونا والعداد الذي كان يحصي عدد الإصابات والوفيات.

الفرق هو أن العالم تأقلم مع الإحصاء هذا وأصبح أمراً طبيعياً، بل صار الأمر الغريب هو أن تعيش غزة ولو يوماً واحداً دون قتل وتشريد وإجرام صهيوني.

أما بعد... فإن هناك نقطتين إذا وجدتا في شخص يتحدث معك فاعلم أنه يكرهك ويخشى تفوقك، وبأنك تشكل تهديداً له، أولاً عندما يبدأ بنصحك دون طلب منك، وبخاصة إذا كانت علاقتكما سطحية جداً، والنقطة الثانية عندما يسرد نجاحاته وإنجازاته ومقارنتها بما تقوم به.

الشخص الذي يكثر انتقاد الناس شخص منفر ومصدر للضوضاء والإزعاج والطاقة السلبية، وبخاصة إذا انتقد دون طرح الحلول، نحن نعاني في حياتنا من هذه الشخصيات، ولا أفهم سبب انتشارهم في كل مكان.

يعتبر المزاح سلاحاً فتاكاً، يختار البعض كلمات استهزاء أو تقليل من شأن الآخرين، أو الانتقاد بقصد الفكاهة، لكن ما إن يتعمد تكرارها، على سبيل المثال، وهي منتشرة في كل مكان عمل، عندما يقوم أحدهم متعمداً بانتقاد زميله بصوت مرتفع قائلاً: «لا أراك في مكتبك، أين كنت؟»، ويعود بعد يومين مردداً العبارة نفسها بصوت مرتفع، مع مرور الوقت سيردد الناس أن فلاناً لا يلتزم بالعمل.

أو أن يقول زميل لآخر: «أنت لا تأخذ العمل على محمل الجدية»، فيصبح ذاك الموظف مع مر الوقت إنساناً غير جدير بالثقة.

ذلك الشخص الذي يقوم باستخدام الفكاهة هو إنسان وظف ذكاءه لمحاربة الآخرين، ولو أنه استغل ذكاءه في تنمية نفسه وعمله لكان أفضل له، وأحياناً يكون هو نفسه لا يلتزم بأوقات العمل، وغير جدّي، ولكي يصرف الأنظار عنه فإنه يستغل زملاءه لتحسين صورته وسمعته أمام المسؤولين، والغريب في الموضوع، حتى لو علمنا نيته من هذا الفعل وتجاهلناه، فإن عقلنا الباطن مع مر الوقت سيشعر بأن ما يقوله ربما صحيح، للأسف.

لماذا نسلط الأضواء على بيئات العمل؟

لأن الإنسان يعيش في عمله أكثر من بقائه مع عائلته فعلياً، فثماني ساعات طوال نتعامل فيها مع شخصيات عدة من بيئات مختلفة، منها الطبيعي ومنها نقيضه، والعقد النفسية تظهر أكثر في بيئة العمل، فيصعب على الموظف التركيز في نقطة واحدة أو إنجاز عمله كالآلة، فهو مجبر على التعامل مع زملاء ورؤساء ربما يسيئون له أو يكونون لطفاء جداً معه ويكون هو النقطة السوداء في المكان، فالعقد النفسية الناتجة عن نقص الإنسان وماضيه السيئ تظهر بصورة ملحوظة جداً في البيئة التنافسية.

يجب أن تحرص كل بيئة عمل على توفير أطباء نفسيين ومدربي حياة كي يساعدوا الموظفين على كيفية حل مشكلاتهم، وكيفية التعامل مع الأنماط المجتمعية في بيئات العمل قبل الدخول في مرحلة الاحتراق الوظيفي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد