غلب على مشهد تأليف الموسيقى الكلاسيكية، وغيرها من أنواع الموسيقى، طغيان العنصر الرجالي، وأدى ذلك إلى خلق تصوّرٍ بأن النساء الملحنات «نادرات» أو «قليلات العدد».
رغم أن هذا الادعاء ليس دقيقاً تماماً، فإن عدد الملحنات المعترف بهن كان دائماً ضئيلاً، مقارنةً بالرجال، ولم يكن هذا النقص التاريخي في التمثيل راجعاً إلى نقص الموهبة أو الاهتمام، بل كان نتيجة حواجز مجتمعية وثقافية وتعليمية راسخة الجذور.
تاريخياً، اقتصرت أدوار المرأة في المقام الأول على المجال المنزلي – كزوجات وأمهات. وكان السعي وراء مهنة، خاصةً في مجالٍ متطلّبٍ وتنافسي في كثير من الأحيان، مثل التأليف الموسيقي، يُعتبر على نطاق واسع أمراً غير لائق، أو حتى مستهجناً.
غالباً ما كان يُشجع الإنجاز الموسيقي للنساء، باعتباره مظهراً اجتماعياً راقياً، ووسيلةً لتعزيز فرصهن في الزواج، بدلاً من كونه سعياً مهنياً جاداً. لذا كان العزف على آلة موسيقية كالبيانو أو القيثارة، أو الغناء، مقبولاً في المنزل، لكن التأليف، الذي يتطلب سلطة فكرية وتقديراً عاماً، كان يُنظر إليه إلى حد كبير على أنه مجال ذكوري.
وحتى عندما ألّفت النساء، واجهن في نشر أعمالهن أو أدائها عقبات كبيرة، وبالتالي لجأ بعضهن إلى استخدام أسماء مستعارة لرجال، أو لم تُنشر أعمالهن على الإطلاق.
غالباً ما كانت الواجبات المنزلية ورعاية الأطفال لهما الأولوية لدى المرأة، الأمر الذي يترك القليل من الوقت أو الطاقة للتركيز الشديد المطلوب للتأليف الموسيقي. كما أن فرص حصول المرأة على التدريب الرسمي على الموسيقى كانت دائماً ضئيلة، وتم استبعادهن منه، أو كانت فرص حصولهن عليه محدودة، ولا سيما في عالم الموسيقى. وكثيراً ما قيدت المعاهد الموسيقية دخول النساء إلى هذه المجالات المتخصصة، أو قدمت لهن مناهج أقل صرامة.
على الرغم من هذه العقبات الهائلة، فإن العديد من النساء قمن عبر التاريخ بتأليف الموسيقى. وفي العقود الأخيرة، بُذلت جهود لإعادة اكتشاف أعمالهن، ومن بين هؤلاء الملحنات: الألمانية هيلديجارد فون بينجن (1098–1179): كاتبة، وفيلسوفة، وصوفية، وصاحبة رؤية، وكاتبة في مجال الطب. وباربرا ستروزي (1619–1677): مغنية وملحنة باروكية إيطالية. وإليزابيث جاكيه دي لا جير (1665–1729): عازفة هاربسيكورد وملحنة فرنسية، كانت طفلة عبقرية. وفاني مندلسون هينسل (1805–1847): ملحنة ألمانية، شقيقة فيليكس مندلسون. وكلارا شومان (1819–1896): عازفة بيانو وملحنة ومعلمة ألمانية. وآمي بيتش (1867–1944): عازفة بيانو وملحنة أمريكية. وفلورنس برايس (1887–1953): أول امرأة أمريكية من أصل أفريقي تُعزف سيمفونيتها بواسطة أوركسترا أمريكية كبرى. وليلي بولانجيه (1893–1918): ملحنة فرنسية وأول امرأة تفوز بجائزة بري ده روم Prix de Rome المرموقة للتأليف الموسيقي. تُؤدّى أعمال هؤلاء الملحنات وغيرهن الكثيرات، وتُسجّل وتُدرّس بشكل متزايد، مما يُصحّح تدريجياً الخلل التاريخي، ويُثري فهمنا لتاريخ الموسيقى.
الخلاصة: إن النقص الواضح في وجود ملحنات بين النساء لا يعود إلى خلل جيني أو عجز فكري في قدراتهن، بل إلى قرون من التمييز المجتمعي والتعليمي المنهجي، الذي حدّ من فرصهن وقمع أصواتهن، كما هو الحال في مجالات كثيرة أخرى، كالسياسة والاقتصاد وغيرهما.
أحمد الصراف