: آخر تحديث

ديوانية القلم الذهبي

0
1
0

ناهد الأغا

بين مد وجزر لمشهد ثقافي يكون الحرف عنوانه الأسمى حيث يطوف في رحاب الفكر ليشكل سفرا جميلاً يترنم برشاقة.. فينجلي عن فجر مشرق يستل شعاعه من سنا الشمس فيبهج قلوباً شغفها الجمال.. وربما في زاوية أخرى يرخي سدوله مع ضوء القمر فيكون نديمه في ليلة تلمع بين ثناياها نجوماً في ميادين الشعر والنثر وثلة منهم في حلبات النقد الذي يلهف القلب لسماعه لا النأي عنه..

فهنا يشعل جذوة الفكر كاتب أبى إلا أن يكون له اسم لامع في لوحة الإبداع التي انتزع مكانتها عبر نصوص وروايات شكلت بنجاحها الأدبي رصيده الثري في بنوك المعرفة.. والأهم في ذاكرة القراء.. وهناك ذلك الشاعر الذي ضفر من قوافيه قصائد حفرت في قلوب محبيه منازل ود ودور عشق تميل إليها بلهفة المشتاق، بعد أن قرأتها بنهم شغوف ووقعت صدى ألحانها في ربى الأسماع..

هذه الجلسة التي يتشابك بوح مفكريها وفوح القهوة المحوجة لترسم جمعا ميمونا ولفيفا محبا للنقاش تارة؛ وأخرى للاختلاف ممزوج بفيض الود؛ سلطته رقي الفكر الذي يتربع على عرش قلوب عنوانها النقاء؛ ماهي إلا وصفا يليق بـ»ديوانية القلم الذهبي»...

و»الديوانية» في لغتنا الغراء تعني المضافة أو المجلس أو الديوان؛ وتعريفه بأنه غرفة استقبال الضيوف في البيوت والدور العربية التقليدية؛ كما يعد مكان اجتماع العائلة والضيوف ليكون التواصل بين أبناء المجتمع باختلاف مشاربهم على وجه العموم؛ كما يخصص هذا المكان للنقاش بأمور تخص القضايا العائلية والمحلية وتشارك الرأي وتبادل أطراف الحديث بأخبار تخص أيضا الحضور وذويهم؛ بل أبعد من ذلك بأمور تخص الشأن العام على اختلاف الأصعدة لاسيما الثقافي منها.. كما يتوسع مفهوم «الديوانية «خارج النطاق الضيق للعائلة؛ حيث تعتبر «ديوانية العرب» مصطلحا يستخدم عادة لوصف ثلة أو مجموعة من الأشخاص يجتمعون سوية وبشكل منتظم في مكان ما؛ عادة يكون في المساء للنقاش وتجاذب أطراف الحديث حول باقة تتنوع موضوعاتها؛ وهذا التقليد يعتبر شائعا ومعروفا في ثقافتنا العربية الأصيلة حيث يتميز بالتواصل الاجتماعي لعدة مناقشات، وقد تكون مناكفات تأخذ جانب المرح حينا وربما الحدة في أحايين أخرى.. وديوانية العرب إنما هي فرصة للتعبير عن تبادل الأفكار والآراء والتوسع في المعرفة والأهم من ذلك بناء العلاقات الاجتماعية التي تنعكس إيجاباً على المجتمع..

وغالباً يركز من حيث جوهر الثقافة على «الديوانية الشعرية» والتي تتقارب وحديث مقالنا الميمون هذا.. فالديوانية الشعرية هي مصطلح يستخدم في التاريخ العربي وهدفه الإشارة إلى مجموعة من الشعراء الذين يجتمعون في أوقات منتظمة لقراءة ومناقشة قصائد الشعر؛ وترجع البدايات لأصول الديوانية إلى العصر الإسلامي المبكر..

فقد كانت تعقد في الدور الخاصة للشعراء أو في المساجد؛ وكان للديوانيات دور بارز في تطوير الشعر العربي وتبادل الأفكار وتقوية أواصر المعرفة بين الشعراء؛ وهي كذلك أي الديوانيات الشعرية مساحة للتعلم والتنافس الإبداعي وتحسين النصوص التي يجرى مناقشتها سواء الشعرية سابقاً أو السرد المتميز للنصوص النثرية فيما بعد والتي باتت الديوانيات تضمها تحت جناحها لكتاب وأدباء شهادة التاريخ والعامة بهم مجروحة... وكانت الديوانيات تاريخيا تجتمع في الأماكن المختلفة كالمدن والقرى والمحافظات؛ وتجمع بين ثناياها لفيف من الشعراء المحترفين والهواة؛ ثم أصبحت حديثاً كما أوعزنا تضم أدباء وكتاب على مختلف اختصاصاتهم؛ وكذلك ثلة من الإعلاميين والصحفيين اللامعين الذين يشار إليهم بالبنان بناء على الاطلاع على عصارة خبرتهم وسجل إبداعهم.. ونذكر على سبيل المثال وليس الحصر من بين الديوانيات الشهيرة في التاريخ العربي الإسلامي.. ديوانية الأشعري وديوانية البصري وديوانية الحماسة..

أما حديثنا في هذا المقام فهو ذو شجون تفيض سحراً وجمالاً يتجلى في سكب مقالنا والذي عنوانه «ديوانية القلم الذهبي» وهي تعتبر مشروعاً رائداً وحدثاً مميزا ثقافياً.. أطلقه معالي المستشار تركي بن عبد المحسن آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للترفيه (GEA) بعد الإعلان عنه في سبتمبر الماضي..

ورعاية هكذا حدث ثقافي إنما ينم عن جل الاهتمام لتطوير الإبداع الثقافي أدبياً وفكرياً؛ كما يتم من خلاله السعي الحثيث لجعله منصة تتفرد بأهدافها وأهمها تجمع الأدباء والمفكرين والمثقفين على اختلاف فئاتهم العمرية وتنوع ثقافاتهم لتبادل الأفكار وتعزيز المهارات الإبداعية.. و»ديوانية القلم الذهبي» تندرج ضمن إطار «جائزة القلم الذهبي» الأكثر تأثيراً في الأدب.. لهذا تم التركيز أن تكون الديوانية مكاناً مثاليا ورمزاً استثنائياً ومساحة لها شمولية واسعة لدعم الكتابة بمختلف أشكالها الثقافية، ويكون ذلك من خلال توفير البيئة التي تمزج بشكل ساحر التراث والأصالة والتقنيات لأحدث ما توصل إليه العلم..

ولعل من الأهمية بمكان سكب جل الاهتمام والتركيز على تكامل الفن الأدبي والدرامي بدعمه بقوة عبر تحويل الأعمال الروائية إلى نصوص سينمائية.. وكما أسلفنا ذكره أن الديوانية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجائزة القلم الذهبي والتي هدفها الأسمى يتجلى بتكريم الإبداع الأدبي الأكثر تأثيراً في الوطن العربي؛ ودعمه بتقديم الحوافز المادية والمعنوية للكتاب والأدباء المتميزين؛ وفي المحاور الكبرى تكون الجوائز المالية ضخمة إضافة إلى تحويل أعمالهم إلى سينمائية.. وهنا يكمن حرص معالي المستشار بإيلاء الكتابة الإبداعية جل الاهتمام والدعم الذي تستحق والارتقاء بها إلى آفاق استثنائية جديدة.. لذا كان اختيار المكان لموقع الديوانية مدروسا دراسة حصيفة وذكية.. فقد أطلق معاليه «ديوانية القلم الذهبي» في حي السفارات بالعاصمة الرياض مطلع فبراير 2025... وهذا الاختيار إن دل على شيء إنما يدل على شمولية رؤيته في تهيئة الجو الملائم والمناخ الثقافي المناسب لاسيما أن يكون راقياً ومستداما ليسهم بشكل فعال في إثراء الحوار الأدبي والفكري..

وعناصر الديوانية تتميز بتفردها؛ ولعل أبرزها معرض الكتاب الدائم؛ مكتبة لسيناريوهات الأفلام الشهيرة والروايات العالمية الأكثر مبيعا؛ كما تمنح فرصة ذهبية لدور النشر السعودية لتسليط الضوء على إصداراتها وعقد شراكات تعود بالربح على المبدعين لإنتاج الجديد من الأعمال..

وهناك أحد العناصر المهمة «معتزل الكاتب» وهي مساحة يلفها هدوء وسكينة تتوق لها النفس لتمكين الكتاب من العمل بتركيز وإبداع؛ وهناك «خلوة القراءة» التي تحتوي على مقاعد مميزة تمنح الأجواء المناسبة للاستفادة من المكتبة؛ كما تحتوي على جلسات في الهواء الطلق لعقد النقاشات والاستماع إلى المبادرات التي تدعم المواهب الناشئة..

كما تؤكد الديوانية من خلال اهتمامها بتنظيم المناسبات الوطنية والعالمية لتعزيز النشاط الإبداعي والاجتماعي إضافة إلى نشر الإصدارات الدورية وإنجازات الأعضاء لاسيما المميزة منها..

ولعل ما ذكرناه من جهود طموحة إنما يندرج ضمن رؤية متكاملة وشاملة هدفها الأول تعزيز ودعم الإنتاج الثقافي بشقيه الفكري والأدبي؛ وضخ الدعم المستدام للمبدعين والكتاب؛ الأمر الذي يجعل «ديوانية القلم الذهبي» تتصدر المشهد الثقافي وتكون لها الأولوية الفضلى في إثراء المشهد الثقافي بفيض غزير منقطع النظير لتعزيز مكانة الثقافة السعودية محلياً وعالمياً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد