الأربعاء أهم أيام الأسبوع في مجلس العموم البريطاني عندما يتلقى رئيس الوزراء أسئلة النواب ويخوض منازلته البلاغية مع زعيمة المعارضة وتنقلها كاميرات التلفزيون ويتابعها الصحافيون من منصتهم البرلمانية لتقييم أداء الخصمين.
الأربعاء الماضي شهدت القاعة 15، أصغر قاعات وستمنستر جلسة لجنة الإجرائيات البرلمانية لثلاث ساعات، ولم يحضرها سوى اثنين من الصحافيين البرلمانيين رغم مناقشتها تعديلات بالغة الأهمية والخطورة قد تغير مستقبل الإجرائيات الديمقراطية في أم البرلمانات.
ولغياب دستور مكتوب في بريطانيا فإن التعديلات تستمر منذ تأسيس البرلمان بشكله الحالي في 1707. كلمة «برلمان» تعود إلى القرن الثالث عشر لوصف المجلس الملكي الذي يحضره النبلاء والفرسان عن المقاطعات بجانب الأساقفة؛ وفي القرن نفسه أصبح قصر وستمنستر المكان التقليدي للبرلمان.
لجنة الإجرائيات البرلمانية مهمتها مراجعة العمل اليومي والإجرائيات البرلمانية والتطبيقات التنفيذية ودراسة التعديلات عليها. تترأسها النائبة العمالية كات سميث (انتخبت للبرلمان أربع مرات منذ 2015) وتشمل اللجنة 15 نائبا آخرين: 10 عمال، وثلاثة محافظين، واثنين من الديمقراطيين الأحرار.
جلسة الأربعاء استمعت لنصائح، و«تحذيرات الشهود»، وهم خمسة نواب سابقين (رجل وأربع سيدات، ثلاث منهن في مجلس اللوردات). وخبرتهم البرلمانية مجتمعة تفوق 130 عاما، منها أكثر من 25 عاما في منصب نائب رئيس البرلمان.
نائب رئيس البرلمان في مقعد إدارة الجلسات يتطلب تذكر أسماء النواب الحضور بجانب الإلمام التام بالإجراءات والإجرائيات واللوائح والقواعد والسوابق التي أرست التقاليد البرلمانية.
لجنة الإجرائيات بحثت نقاطاً تشملها تعديلات، بعضها لم يكن يخطر على بال أحد في وستمنستر، طالب بها نواب، في استطلاع للرأي قبل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. السبب وجود 335 نائبا ونائبة (من جملة 650 نائباً) انتخبوا لأول مرة الصيف الماضي، وليس لديهم أي خبرة بالعمل البرلماني، وكثير منهم لا يزال يضل طريقه في دهاليز السياسة وطرقات قصر وستمنستر.
أغرب اقتراح كان طلب التصويت إلكترونيا بـ«تيكست» (رسالة على «التليفون» أو أجهزة أخرى محمولة). فالتصويت في مجلس العموم يكون بمرور النواب الموافقين في دهليز أو ردهة «نعم»، والرافضين في دهليز «لا». ويرتبط أيضا بهذا المطلب، اقتراح تعميم التصويت بالنيابة، وكان المجلس وافق عليه بتعديل مؤقت، فيحتاج إلى التصويت على استمرار العمل به أو تعديله. وبينما اتفق الشهود الخمسة على استمرار التصويت بالنيابة عن نائب غائب لسبب قهري شريطة أن يكون النائب متابعا بالمراسلة لما يدور من جدل، إلا أنهم (ومعهم وزراء سابقون وحاليون، ونواب مخضرمون) حذروا من خطورة وأضرار التصويت إلكترونيا على الديمقراطية نفسها. فالبرلمان ممثل الشعب في المحاسبة وإصدار القوانين يجب أن يكون التصويت فيه أمام الشعب وليس عبر رسالة إلكترونية مغلقة. فالسلطة الرابعة تمثل الرأي العام، خاصة الصحافة المحلية من دوائر النواب، حيث يراقبون مرور الأعضاء بين الردهتين، وينقلون للقراء والمشاهدين كيف صوت النائب على القضية المطروحة برلمانيا.
التصويت الإلكتروني قد يدفع للتكاسل عن حضور الجلسات، خاصة الوزراء إذا كان تصويتهم على قرار يعني تراجعا عن الوعود الانتخابية؛ أيضا التصويت في الردهتين فرصة يوجد فيها الوزراء في مكان ضيق من دون الحواجز البيروقراطية والمستشارين الذين يعرقلون وصول النائب إلى الوزير مباشرة.
اللجنة بحثت أيضا قوائم الحديث في قاعة البرلمان. فقائمة مساءلة رئيس الوزراء الأربعاء تختار 15 اسما بالقرعة (بجانب ستة أسئلة مخصصة لزعيمة المعارضة وسؤالين لزعيم الحزب الثالث عدديا) ويوازن رئيس البرلمان بين الأحزاب وبعضها وبين الحكومة والمعارضة، والأقليات والنساء، في اختيار نواب إضافيين للقائمة أثناء الجلسة التي تستمر حوالي نصف ساعة.
الشهود الخمسة أثروا استجواب الإجرائيات باقتراحاتهم بمنح مزيد من الوقت للنواب، وحذروا من اقتراح إنهاء الجلسات مبكرا (السابعة مساء) أيام وسط الأسبوع بدلا من العاشرة مساء في الوقت الحالي. كما بحثوا أيضا وضعية النواب المستقلين (11 حاليا) سواء بالانتخاب أو اختلفوا مع حزبهم ففصلوا منه أو هجروه؛ أربعة نواب منهم ينوون تكوين «التجمع التقني ». وأيضا مقترحات عن منح فرص توسيع مشاركة الأحزاب الصغيرة ووضعيتها - فبجانب الأحزاب الثلاثة الكبرى («العمال» 403 أعضاء، و«المحافظين» 121، و«الديمقراطيين الأحرار» 72) هناك عشرة أحزاب أخرى. ولعل أهم نصيحة للجنة كانت عدم التسرع في تقديم توصيات للبرلمان بتعديلات للتصويت عليها، بل التريث لعامين على الأقل، حتى يكتسب النواب الجدد خبرة العمل في أم البرلمانات.