: آخر تحديث

الموشحات فن لا يُنسى

7
6
4

ناهد الأغا

الوشاح رداء مزركش يُنسج من أديم عريض تزيّنه الزخارف الملونة والجواهر الثمينة، تشده المرأة على عاتقها وكشحها أي ما بين العنق والكتف لتتزين به.

من هنا سميت الظاهرة الأدبية التي انتشرت في الأندلس بـ«الموشحات» وهي الخروج عن نمط القصيدة التقليدية التي تتقيد بالوزن والقافية ووحدة الروي.

فقد ظهر جيل جديد من الشعراء آنذاك الذين نشؤوا في بلاد الأندلس ذات الطبيعة الخلاَّبة الساحرة بأشجارها وأفيائها وأنهارها وسواقيها وجداولها.

إن الذين عاشوا حياة الغنى والترف والبذخ أحبوا مجالس الغناء والطرب فابتكروا هذا اللون الأدبي المميز الذي انبثق من الاختلاط المباشر بين العرب والإسبان نتيجة الامتزاج اللغوي الذي تمثّل في معرفة الشعب الأندلسي للعامية والعربية واللاتينية.

لا ريب أن الموشح فن شعري مستحدث تمرد على الشعر التقليدي الملتزم بالأوزان الستة عشر، وخرج عن المألوف بنمط خاص ذي جرس موسيقي ونغم يطرب الأسماع ويريح النفوس؛ حيث قامت القوافي في القصيدة مقام الترصيع بالدرر والجواهر التي تزيّن الوشاح، وبالتالي أصبحت الموشحات هي الأشعار المزيّنة بالقوافي المتلألئة والأجزاء الخاصة.

والموشح كلمة مفردة وهي مذكر وإذا أتت مؤنثة يقال عنها «موشحة» ولا يقال قصيدة موشحة لأن لفظ القصيدة خاص بأشعار العرب المنظومة والموزونة والمقفاة كما أسلفنا.

و في عصرنا الحديث فقد تربعت السيدة فيروز على عرش الموشحات وغنت الكثير الكثير منها وأشهرها موشح لسان الدين الخطيب:

جادك الغيث إذا الغيث همى

يا زمان الوصل بالأندلس

لم يكن وصلك إلا حلما

في الكرى أو خلسة المختلس

ومن الموشحات التي انتشرت وذاع صيتها وغناها العديد من المطربين -ولم تبق حكراً على السيدة فيروز - موشح ابن زهر الأندلسي:

أيها الساقي إليك المشتكى

قد دعوناك وإن لم تسمع

تعددت أغراض الموشحات ولم تعتمد على غرض واحد، بل كانت في الغزل والمديح والخمريات والوصف بعيداً عن الرثاء؛ فاعتمدت سهولة اللغة وسلاسة التراكيب ورقة الألفاظ مما جعلها صالحة للغناء، حيث ارتكزت على البساطة في التعبير واستخدام الأخيلة والتصويرات الواضحة التي تثير الفرح في النفس بإيقاعها الموسيقي من حيث التناغم من خلال تكرار بعض الحروف في أواخر الأبيات الشعرية.

في هذا الاستعراض البسيط للموشح لا يمكن أن نتجاهل مطرب الموشحات الأول في عصرنا الحالي ومؤسس الطرب الأصيل صباح فخري الذي أبدع إبداعاً لا نظير له في غناء الموشحات.

أما الموسيقار عبدالحليم نويره فقد عمل على إحياء الموشحات القديمة وإعادة تقديمها عبر فرقته وقد حفظت بعض التسجيلات النادرة التي قدمها شيوخ الفن وأصدر بها ألبوماً ضمن حفظ التراث الموسيقي العربي في المجمع العربي للموسيقا التابع لجامعة الدول العربية.

في نهاية المطاف لا يسعنا إلا أن نقول إنه ما من أحد يستمع لأي من هذه الموشحات إلا وتمايل طرباً وغرَّد معها تعبيراً عن اندماجه بها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد