خمسمئة ألف كويتي مساهم (ما يقارب ثلث عدد المواطنين!) في سبعين جمعية تعاونية مشهرة، كما أفادت النشطة معالي وزيرة الشؤون الاجتماعية وشؤون الأسرة والطفولة الدكتورة أمثال الحويلة، موزعة جغرافياً لتغطي كل أرجاء الوطن. أما أرباحها السنوية فهي في تزايد مطرد وفي طريقها إلى نصف المليار دينار! عندما يحكى عن هذه الجمعيات يعود بنا الزمن إلى أوائل ستينيات القرن الماضي، عندما فكر الرواد بإنشاء أول جمعية تعاونية، ناصبين لها أهدافا محددة ونشاطا تؤدي من خلاله أعمال مجتمعية ذات قيمة لسكان المنطقة من مواطنين ووافدين.
دعمت الدولة في حينه مشكورة ذاك التوجه التعاوني الحضاري السابق لزمانه ومنحته أفضل وأثمن المواقع ثم أحسنت إعداد وتجهيز هذه الجمعيات قبل أن تقوم بتسليم إدارتها لمساهميها. والآن لنذهب ونقارن ما بين نجاح تلك التجربة الرائدة المغلفة بعقول وطنية نيِّرة وأمينة وما نحن عليه الآن. غالبا ما نرى عراكا غير متكافئ بعيد عن المهنية، شوارع مكتظة بإعلانات وصور «رزه» لمرشحي مجالس الإدارات، فراغ وعدم دراية بمسؤوليات تلك المؤسسات الاقتصادية الضخمة، زيارات غير مقننة للدواوين تشعرك بالفراغ والبعد عن المهنية والخبرة أثناء الحوار معهم، العديد منهم، سلاحهم الفج فقط التفاخر بأرقام الأرباح والوعد بمضاعفتها «خذ من كيسه وعايده».
إن أرادوا أن نختزل لهم ما شرعه الرواد ودستورهم في ذلك الزمان فإنه ينحصر في مادتين فقط وجب توفرهما في من يكلف بذلك الدور المهم (إدارة الجمعيات)، الأمانة والكفاءة. نقف هنا لنتوجه بالرجاء للوزيرة الإصلاحية والمسؤولة عن هذا القطاع، وبعد ما رأيناه خلال العقدين الماضيين من إعفاء للكثير من أعضاء مجالس الإدارات وإحالة كثير منهم إلى النيابة بسبب الخلل البيّن في الممارسة، آخرها ما نشر في الصحف بتاريخ 8 يوليو 2024، نقول وبصوت نرجو أن يكون مسموعا حان الوقت في ظل هذا العهد الميمون، وقد أتى دوركِ لإصلاح ذاك الكم من التجاوزات.
بعد فشل تلك التجربة وحرصاً على صيانة أموال المساهمين من العبث والقرارات غير الرشيدة، لا بد أن يعاد النظر ويتم منح الوزير المسؤول الصلاحيات اللازمة لتعيين ثلث الأعضاء كأقل تقدير من النخب ذوي الاختصاص الأمناء والأكفاء كأعضاء مجلس إدارة لسلامة قيادة مؤسسة مالية ومجتمعية بهذا الحجم والمكانة. قد يكون من الجدير أيضا إعادة النظر في عملية توزيع الأرباح السنوية ليُستثمر جزء أساسي منها في مبادرات ومشاريع تقيمها وتشرف عليها الإدارات المختلفة للجمعيات التعاونية بتنسيق مسبق مع الجهات الحكومية المعنية، التي من شأنها تعزيز أهداف التنمية المستدامة، مثل تشييد الحدائق الجميلة والجاذبة، تدار من قبل كادر زراعي مهني (عمال ومراقبين)، يتم تشغيلها بواسطة تقنيات الطاقة المتجددة، ونقل إنارة الشوارع في المنطقة لتشتغل بالطاقة الشمسية وتصميم أعمدتها بشكل يثري الجانب الجمالي للمنطقة. بالإمكان أيضاً بناء حضانات ذات مواصفات تربوية متطورة. يجب أيضا الالتفات إلى جانب هو غاية في الأهمية، وهو الاستعانة برديف لمجلس الإدارة من نخبة سكان المنطقة ممن يملكون تاريخا ناطقا بالوطنية والأمانة والكفاءة على شكل مجلس استشاري «متطوع»، يقدم المقترحات والنصح لما هو أفضل، وحيث تتماشى مع أهداف ومسؤوليات الجمعية ذات الأهمية الاستثنائية. الإحالة إلى النيابة أو إعفاء مجلس الإدارة أو حتى استرجاع المال المعتدى عليه غير كافٍ يا معالي الوزيرة، العلاج الذي يتحتم أن يكون هو هيكلي بامتياز، وهو بيدكِ.
والله وحده الموفق.