برتران بونيلو كاتب سيناريو وممثل ومخرج أفلام، ينتمي لتيار السينما الحديثة أو التجريبية في فرنسا، لأفلامه نكهتها الخاصة، التي قد لا تروق للجميع، وتحديداً لرواد السينما التقليدية، لأنه، وبمجرد أن تجلس لمشاهدة أفلامه «الظهر الأحمر»، «الوحش»، «سان لوران» وغيرها، يتوقع منك بونيلو أن تتخلص من جميع حمولتك الفكرية، وتنطلق معه في متاهة من المشاهد، متنقلاً بك من مشهد لآخر، ومن زمن لزمن، وما عليك سوى أن تنتبه كثيراً، وتصبر أكثر، وإلا فإنك قد تنهض وتغادر العرض سريعاً.
ستتساءل بعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم، إذا أكملته: ماذا يريد هذا الفيلم أن يقول؟ هذه هي ضربة البداية في السينما الحقيقية، فبونيلو لديه دائماً ما يقوله، عبر الحوارات الممتدة بين أبطال أفلامه، وعبر التجارب التي يقحمهم فيها، ويقحم مشاهديه كذلك، كي يغوصوا أكثر، وربما كي يتورطوا في متاهته أكثر، تلك المتاهة التي سيصعب عليك وأنت فيها أن تحصل على أية إجابات، لأن الفيلم سيتركك وحيداً في ما بعد، لتتأمل إجاباتك وتكتشفها بنفسك، ولحظتها، سيكون لكل مشاهد استنتاجاته ورؤيته، بحسب الزاوية التي أطل منها على الفيلم!
يرفض هذا السينمائي المبدع أن يضع إجابة أو تفسيراً واحداً للمسائل التي تتصدى لها أفلامه، كيلا يصادر حق أحد في تقديم إجابته الخاصة، وهكذا يحافظ بونيلو على تقاليد الحرية في الإرث الفلسفي الفرنسي! ولأن الجوانب الخفية في الطبيعة الإنسانية متعددة الرؤى والتفسيرات.
في فيلم «الوحش»، الذي سنتعرض له غداً، يفاجئنا بونيلو بمشهد بطلة الفيلم وهي تصرخ في وجه وحش تراه هي، بينما لا نعرف نحن عنه سوى أنه وحش! ثم ينقلنا مباشرة في المشهد التالي لبدايات القرن 1901، وحديث طويل حول هاجس قديم كامن في داخل نفس المرأة، دون أن تسميه، لكن محدثها يحاول تفكيكه ومقاربته، لكن دون أن نعرف ما هو بالضبط؟ فما هو هذا الوحش الذي يغتال أمان البطلة، ويخيفها، ويدفعها للذهاب لمعالجة نفسانية؟.
كلنا لدينا وحوشنا الداخلية، التي تشكل هواجس ومخاوف ثابتة منذ الطفولة، لكن كيف الطريق للخلاص منها يا ترى؟ ماذا يقترح بونيلو للخلاص؟.