: آخر تحديث

حين نقف بعد السقوط

1
1
1

سارا القرني

في كل رحلة من رحلات الحياة، لا بد أن نتعثر، أن نسقط، أن ننكسر، ولكن العظمة الحقيقية لا تكمن في تجنّب السقوط، بل في الوقوف بعده. فالوقوع ليس نهاية الطريق، بل بداية إدراك جديدة، تُعيد تشكيلنا من الداخل، وتزرع فينا القوة التي لم نكن نعلم بوجودها.

كثيرون يعيشون في سجن الماضي، يطيلون النظر خلفهم حتى يضيع منهم الحاضر، وكأنهم يحاولون أن يستعيدوا لحظة انتهت، أو أن يعيدوا ترتيب وجعٍ مضى. لكن الحقيقة أن الماضي لا يتغيَّر، والوجع لا يُشفى بالتفكير فيه، بل بالعبور منه. نحن لا نُشفى بالبكاء على ما فقدناه، بل حين ندرك أن ما خسرناه كان درسًا لا عقابًا، وأن كل انكسار يحمل في داخله بذرة نهوض.

الوقوف بعد السقوط ليس بالأمر السهل، لكنه أيضًا ليس مستحيلاً. إنه امتحان الإرادة، واختبار الصبر، ومواجهة الذات في أضعف حالاتها. عندما نُكسر، يظن البعض أننا انتهينا، لكننا في الحقيقة نبدأ من جديد، بوعيٍ أكبر، ونضجٍ أعمق، وقلوبٍ أكثر حرصًا على من تستحق. لا تسمح للماضي أن يسرق منك المستقبل، ولا أن يُربك خطواتك القادمة. الماضي مكان للتعلّم، لا للإقامة. فكلما استسلمنا له، تجمدنا في منطقةٍ رمادية، لا نحن عشنا الماضي ولا تقدمنا نحو الحاضر. إنه كالحبل الذي يُقيدك إن لم تقطعه بيدك. وكل لحظة نقضيها في الحنين لما كان، هي لحظة نؤجل فيها ما يمكن أن يكون.

كن أقوى من الألم، من الخذلان، من الانكسار. فأولئك الذين خذلوك، لا يجب أن تمنحهم فرصة ثانية لكسرِك. لا تسمح لهم أن ينتصروا مرتين: مرة حين خذلوك، ومرة حين تُحقق لهم غايتهم بانهيارك.

ارفع رأسك، واجعل من خيبتك بداية جديدة، لا نهاية مؤلمة.

القوة الحقيقية لا تُقاس بقدرتنا على عدم السقوط، بل بقدرتنا على الوقوف مجددًا. فالحياة لن تتوقف احترامًا لأحزاننا، والعالم لن ينتظرنا حتى نُرمم قلوبنا. علينا أن ننهض، أن نواصل، أن نُثبت لأنفسنا -قبل الآخرين- أن ما كسرنا بالأمس، لن يمنعنا من أن نصبح أقوى غدًا. تعلم أن تترك ما يؤذيك، أن تغلق الأبواب التي لم تعُد تُفتح، أن تُودع الماضي بابتسامة، لا بندم، وأن تُدرك أن الوقوف بعد السقوط هو أرقى أشكال النضوج، لأنك حين تنهض، لا تعود كما كنت - بل تصبح نسخة أقوى، أنضج، وأكثر ثقة.

الذين ينهضون بعد السقوط هم الذين يُكتب لهم أن يصنعوا الفارق، لأنهم تعلموا كيف يتجاوزون الضعف دون أن يفقدوا إنسانيتهم، وكيف يُكملون الطريق رغم الوجع، وكيف يحولون الجراح إلى دروس تُضيء طريقهم.

انهض، لا لأجل من خذلك، بل لأجل نفسك. فأنت لم تُخلق لتنهار، بل لتقوم من جديد، لتبدأ من نقطةٍ جديدةٍ أكثر اتزانًا، ولتُثبت أن الانكسار ليس نهاية، بل بداية القوة التي تُعيدك للحياة، بثقةٍ لا تهزّها العواصف.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد