ضياء رشوان
بعد عامي حرب الإبادة والتجويع الدامية، التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، وإزهاق أرواح قرابة 70 ألف شخص، وفقدان نحو عشرة آلاف آخرين، وإصابة أكثر من 165 ألف غيرهم، أتت خطة الرئيس ترامب لإيقاف هذه الحرب لكي تتم الموافقة عليها إجمالاً من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني (السلطة والفصائل بغزة)، وتتوقف الحرب بالفعل مع بداية تطبيق المرحلة الأولى منها، وانعقاد قمة شرم الشيخ للسلام، لتضع الملامح الأساسية للطريق الطويل نحو الحل الشامل والنهائي للقضية الفلسطينية، بضمانات موقعة من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر وقطر وتركيا.
وحتى لحظة كتابة السطور الحالية، تحققت خطوات مهمة من المرحلة الأولى، الخاصة بتبادل إطلاق المحتجزين والأسرى وإيقاف الحرب وانسحاب مؤقت للجيش الإسرائيلي وإدخال المساعدات، إلا أنها لم تستقر بعد، ولا تزال مهددة باختراقات جوهرية قد تطيح بها، ومعها خطة الرئيس ترامب بأكملها، لتعود الحرب الدموية من جديد ليس فقط في قطاع غزة، ولكن لكي تتسع بسرعة وجنون، لتشمل المنطقة كلها، لا قدر الله.
وفي قلب هذه التطورات الجديدة للغاية والمتسارعة بما لا يصدق، يبدو واضحاً أننا إزاء مرحلة مختلفة نوعياً من مراحل تطور القضية الفلسطينية وعلاقة إسرائيل بالمنطقة كلها، قد تؤدي إلى تغيرات نوعية غير مسبوقة، فبالرغم من أن خطة الرئيس ترامب ذات النقاط العشرين قد ركزت بشكل واضح على ما يجري في قطاع غزة، وترتيب الأوضاع به بعد إيقاف الحرب، إلا أنها احتوت على عديد من النقاط ذات الصلة بمجمل القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، والتي تفتح أبواباً مواربة للوصول إلى نهاية لهما، وإن شاب صياغتها كثير من الإبهام والعمومية.
ومع هذا، فإنه سواء فيما يخص قطاع غزة أو مستقبل القضية والصراع، فالمؤكد هو أن كل الخطوات والمراحل المقبلة المطلوبة للوصول لتلك النهاية، تمر أولاً وتستلزم وجود طرف فلسطيني موحد، فبالنسبة لغزة ويومها التالي أو اليوم الذي بعده، يبدو مؤكداً أن كل الترتيبات الانتقالية والمؤقتة التي تتعلق بإدارتها وإعادة إعمارها سوف تكون بمساعدة عربية وإقليمية ودولية مع مكونات فلسطينية، وهي وحدها الكفيلة بتسهيل المرور إلى الترتيبات والأوضاع النهائية، التي ستكون منوطة بالطرف الفلسطيني وحده ودون غيره، وهنا بيت القصيد، فلكي يمكن التفاوض الجاد وشديد المشقة حول الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية بهدف إقامة الدولة المستقلة على أراضي الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فلا بد من وجود طرف فلسطيني مفاوض واحد يتبنى الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، ويتمتع بالتفويض التام من هذا الشعب، للمضي في كل مراحل التفاوض القادمة شديدة الصعوبة والتعقيد.
ولكي يمكن إيجاد هذا في أقصر وقت ممكن، فالكرة تبدو شبه كاملة في ملعب كل من حركة «حماس» والفصائل المسلحة الأخرى، وخصوصاً الأولى، فـ«حماس» قد أقرت في وثيقتها المعلنة عام 2017 بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي «الإطار الوطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية»، إذاً، فليس هناك من وقت أكثر ضرورة ومناسبة من أيامنا الحالية، لكي تعلن «حماس» والفصائل المسلحة الأخرى الانضمام للمنظمة، ويمكن لها أن تعلن هذا بصورة مبدئية، على أن تخوض في كل التفاصيل السياسية والتنظيمية فور هذا الإعلان، ولعل جلسات الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، التي هي على وشك الاستئناف في القاهرة، بتنسيق من الحكومة المصرية، لمواجهة المتغيرات الجديدة، هي المناسبة الأفضل لكي يُعلن هذا الانضمام المبدئي لمنظمة التحرير، لكي يبدأ الحوار على أسس جديدة ومختلفة تماماً عن الحوارات السابقة الكثيرة.
إن مواجهة هذا المفترق شديد الصعوبة والخطورة على مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، واحترام وتقدير كل الأرواح الفلسطينية، التي فاضت لبارئها وأنهار الدماء، التي سالت في غزة والضفة، تستوجب من حركة «حماس»، والفصائل المسلحة الأخرى أيضاً، أن تبادر وفورياً بهذا الإعلان، الذي ستكون له آثاره شديدة الإيجابية، سواء على الساحة الفلسطينية الداخلية، أو والأهم، على صعيد المفاوضات شديدة المشقة والصعوبة المقبلة.