: آخر تحديث

المصنّع

2
2
2

يقف الصناعي الكويتي اليوم في مواجهة مفتوحة مع جهات حكومية عدة، تدفع إلى رفع تكلفة المنتج المحلي، وتؤثر سلباً في المستثمر في هذا القطاع الحيوي. فالبضائع المدعومة من حكومات الدول، التي نستورد منها، تقوم بعملية إغراق لأسواقنا، بحيث يجد المصنّع الوطني نفسه يواجه معركتين شبه خاسرتين. فقوانين وطنه لا تحميه من خطر تلك المنافسة غير العادلة. كما تقوم فوق ذلك بإرهاق كاهله بتكاليف تشغيل أكبر، بعد أن قفزت رسوم الانتفاع بأراضي الدولة قفزات خيالية، بلغت 1500 %، وكأن الهدف إقصاء المستثمر أو المصنّع، بدلاً من تشجيعه. كما أن الكهرباء تضاعفت تعرفة استهلاكها بنسبة 200 %، لتتحول من محفّز إلى عبء ثقيل على الإنتاج. أما هيئة البيئة، الحكومة داخل الحكومة، فقد فرضت رسوم «تخليص وكشف» عالية، وكلفت شركة خاصة بتسلّمها، بحيث أصبحت تتصرف بطريقة تتعارض مع ما تقوم به حتى الجمارك الكويتية، وما تنص عليه اتفاقيات مجلس التعاون، علماً بأن الكثيرين اعترضوا على تصرفات «البيئة وشركتها»، وصدرت أحكام نهائية من القضاء، تنص على عدم مشروعية ما تتقاضاه من رسوم مجحفة وغير منطقية، لكن الأمر لم يتغيّر كثيراً، وبقيت الرسوم على وضعها.

كما قامت الحكومة أخيراً بوقف العمل بأفضلية المنتج الوطني في المشاريع الحكومية، لتُغلق نافذة كانت المتنفس الوحيد للمصانع المحلية. ومع ذلك لا يزال المصنّع يقوم بدوره، وينتج، ويخلق قيمة حقيقية مضافة، ويوفر وظائف جادة ومستدامة للمواطنين، ويضخ استثمارات تعزّز الدورة الاقتصادية، وينتح سلعاً تحفظ جزءاً من أمن البلد الصناعي، علماً بأن المصنّع المحلي لا يطلب دعماً بلا حدود، بل عدالة واضحة، وأن يُرفع عنه ما لا طاقة له على تحمّله، وأن يُعطى مساحة لينافس المستورد في سوقه وعلى أرضه. فالكويت قادرة على أن تكون بيئة صناعية حقيقية، لكن البداية تكون بقرار حكومي شجاع يعيد الاعتبار للمنتج الوطني. فقرار الجهات المعنية بحرمان المنتج الوطني من ميزة الأفضلية في المشاريع الحكومية، اعتمد على قرار صادر من «الفتوى والتشريع». لكن هذه الجهة هي التي سبق أن «أفتت» بضرورة إعطاء المنتج المحلي الأفضلية في مناقصات ومشاريع الدولة (قانون المناقصات لسنة 2019). وحتى لو افترضنا أن القرار الأخير ألغى الأفضلية، إلا أنه «بقي قاصراً»، حيث افتقد شرط «المعاملة بالمثل»! فكيف أساوي بين السعر المقدم من المنتج المحلي، بالسعر المقدم من المنتج الخارجي، إن كان معلوماً أن سعره «مدعوم» من حكومة دولة المصدر؟

نضع هذه القضية بتصرف معالي وزير التجارة، ونتمنى عليه القيام بسد هذه الثغرة، وأن تطول إصلاحاته القطاع الصناعي، فمن غير رعايته ودعمه، سيظل المصنّع الكويتي يواجه معركة غير متكافئة مع المستورد المدعوم من دولته، وسنخسر جميعاً فرصة بناء اقتصاد متين يحمي البلد في المستقبل.

* * *

ملاحظة: أعلمتني العزيزة أسيل أمين، تعليقاً على مقال ماكينات «سنجر» للخياطة، أنها وأخاها ورثا الشركة من والدهما، الذي سبق أن ورثها من جدهما، الشهير بـ«أمين سنجر». وأنهما قررا عام 2017 تصفية الشركة، وليس لها حالياً وكيل، وغالباً لانتفاء الحاجة إليها، كما انتفت إلى مئات الأجهزة الأخرى.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد