لسنوات طويلة خلت، اعتدنا على أن يفتتح معظم الكتاب العرب، مقالاتهم ليوم العيد بالديباجة نفسها، ببيت الشعر نفسه من قصيدة أبي الطيب المتنبي التي يقول مطلعها:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيداً دونها بيد
فإذا كان حال الأمة اليوم لا يختلف أبداً عن حالها في أيام المتنبي البائسة التي قال فيها قصيدته التي أطلقها في عيد الأضحى، فإن ذلك لا يمنعنا رغم تدهور الأحوال من البهجة والفرح وإن كان على سبيل محاولة نسيان المآسي، ولو ليوم واحد، منحتنا إياه الأيام ليكون عيداً وفرحاً وجائزة.
هناك أمهات وآباء وأصحاب وأطفال صغار وشباب تتفتح ورودهم للحياة يستحقون الفرح وهناك نحن، وكلنا بحاجة للفرح، والخفة والضحكات والثرثرة والضجيج، فلنمنح ما نستطيع لنحصل على ما نستحق، لنعتبر الفرح شكلاً آخر للعطاء، هدية للعابرين نهار العيد، لكل العابرين، دون تمييز، فالعيد محبة، والمحبة لا تقيم في مساكن الأسى والحزن واللوعة أبداً، حتى البيوت الصامتة والوحيدة تحتاج لمن يطل على ساكنيها بوجوه مستبشرة وضجيج حلو.
لم يتغير شكل العيد في بيتنا، أصوات الصباح الباكر، خشخشة الأواني وروائح الطعام في المطبخ، رائحة العود والبخور تعبق في أنحاء البيت فتمنحه حالة خاصة جداً، رائحة القهوة، صوت أمي، مجيء إخوتي للسلام عليها بعد صلاة العيد، ويبدأ العيد مع أصوات الصغار وتحية (مبارك عيدكم) ومن ثم يمتلئ البيت، وتتناثر العيديات ويكتمل طقس العيد.
إنه العيد على عهده ووعده لا يتغير في الدلالة حتى وإن تغيرت مظاهره، ولا أدري لماذا يسائل الشعراء والكتاب دائماً عن الحال التي عاد بها العيد، وكأن العيد مسؤول عما يرتكبه، بينما هو يوم مبارك من أيام الزمن، هدية حلوة بعد موسم عبادة طويل وشاق، فلنعشه بمنطق اليوم عيد وغد أمر عساه ينجلي على خير!