مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها السابع، تطرح تساؤلات كثيرة حول النتائج التي حققتها إسرائيل حتى الآن، وكم من الوقت لا تزال تحتاج كي تصل إلى الهدف الذي أعلنه مسؤولوها وهو "القضاء التام" على حركة "حماس"، وهل لا يزال ذلك هدفاً واقعياً، وبأي كلفة من دماء المدنيين الفلسطينيين، نتيجة القتال وعدم قدرة مئات الآلاف منهم على الحصول على الطعام والمياه والمأوى، ناهيك بالأمان؟
هذه أطول حرب تخوضها إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، وتترتب على ذلك تبعات في الخسائر البشرية والاقتصادية، فضلاً عن تدهور الصورة التي كانت تعطيها الدولة العبرية عن نفسها في الخارج، خصوصاً في ضوء قتل أكثر من 33 ألف فلسطيني، ثلثاهم من النساء والأطفال، وتهجير مليون ونصف مليون شخص إلى منطقة رفح في جنوب القطاع، في مساحة لا تتجاوز 60 كيلومتراً مربعاً وسط ظروف إنسانية كارثية. أما من تبقى من فلسطينيين في شمال القطاع فإنهم يعانون مجاعة من صنع الإنسان.
بشهادة وكالات الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية وإغاثية، فإن الناس في الشمال يموتون جوعاً أو يموتون وهم يسعون وراء رزم المساعدات التي تلقيها الطائرات، وهي الوسيلة التي لجأت إليها الدول، بعد فشلها في إقناع إسرائيل بفتح الطرق البرية أمام قوافل الإغاثة المتكدسة على معبر رفح.
وتجلت آخر فصول المأساة بقتل إسرائيل سبعة من متطوعي المطبخ المركزي العالمي (ستة أجانب وفلسطيني) خلال قيامهم بواجبهم في دير البلح في وسط القطاع ليل الأول من نيسان (أبريل) الجاري. جريمة هزت العالم وأثارت التنديد من كل حدب وصوب، وسلطت الضوء على تعمد إسرائيل تهجير كل الوكالات والمنظمات الإنسانية التي لا تزال تعمل في غزة، بعد عرقلة عمل وكالة "الأونروا" بإلصاق اتهامات بعدد من الموظفين فيها بأنهم شاركوا في هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) الذي شنته "حماس" على غلاف غزة.
لا تريد إسرائيل من أي جهة في العالم أن تكون شاهداً على الحصار المحكم الذي تفرضه على الفلسطينيين، وصولاً إلى استخدام الجوع سلاحاً من أجل تحقيق أهدافها القصوى في غزة.
وبعد كل ذلك، تعد إسرائيل العدّة لاجتياح رفح التي تعج بالنازحين، في ما يمكن أن يضاعف من أعداد المدنيين الذين يسقطون كل يوم. ولا تلقى الدعوات الأميركية إلى إجلاء المدنيين من رفح قبل الهجوم عليها، آذاناً صاغية لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وبعد قتل متطوعي المطبخ المركزي العالمي، وأمام الإصرار على اجتياح رفح من دون خطة إسرائيلية مقنعة لإجلاء المدنيين منها، اضطر الرئيس الأميركي جو بايدن إلى التدخل شخصياً لدى نتنياهو في مكالمة هاتفية استمرت 30 دقيقة الخميس، وقيل إنها الأكثر حدة من بين أكثر من 20 مكالمة بينهما منذ 7 تشرين الأول. قال بايدن للمرة الأولى لنتنياهو إنه إذا لم تغير إسرائيل سياستها فإن ذلك سيؤدي إلى "عواقب".
هذا يشير ربما إلى بلوغ العلاقات بين إسرائيل الحليف الأقوى لها، نقطة خطيرة قد تشكل "منعطفاً"، على حد وصف مجلة "الإيكونوميست" البريطانية.
ولا يظهر نتنياهو أي اهتمام جدي بأخذ المناشدات والاقتراحات الأميركية على محمل الجد، بينما رصيد إسرائيل العالمي يتآكل بسرعة.
وقبل سبعة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية، يهم بايدن أن لا يذهب بعيداً في المواجهة مع نتنياهو، كي لا يغضب مؤيدي إسرائيل داخل الحزب الديموقراطي، بعدما جازف بإثارة غضب الجناح اليساري الذي يطالب منذ أشهر بضرورة انتهاج سياسة أكثر حزماً مع الحكومة الإسرائيلية، وصولاً إلى هدنة وتبادل الأسرى، والبحث عن فتح مسار سياسي لحل نهائي للنزاع.