تقول النصيحة الثابتة الموجهة لكل مدير (كن قائدا لا مديرا).. هذه النصيحة لا تعني أن يتخلى المدير عن مسؤولياته الإدارية والتشغيلية. الإشراف والمتابعة والتوجيه وتقييم الأداء وإعداد التقارير وتطوير بيئة العمل وصناعة القرارات والتنسيق والتدريب، وغيرها من المهام والتفاصيل المكتوبة وغير المكتوبة. هذه المسؤوليات لا يقوم بها رئيس الجهاز (القيادي) لكنها أساسية لكل مدير ولا ينجح عمل بدونها ولا ينصح المدير بتركها وإنما يضاف إليها دور قيادي. المدير المتميز هو الذي يحقق التوازن بين دوره كمدير وبين مسؤوليته القيادية في تحديد الأهداف واكتشاف القدرات وتحفيز طاقات الأفراد وعقولهم على الإبداع والمبادرات وابتكار الحلول.
في بعض الحالات يمارس رئيس الجهاز (القيادي) دور المدير فيغرق في المهام اليومية وينسى دوره الاستراتيجي.
على أي حال، سواء تحدثنا عن القيادي أو المدير فإن أهم المسؤوليات وأصعب المهام، والعوامل التي تحدث الفرق هي المهارات الناعمة وفي مقدمتها كيفية التعامل والتواصل مع الموظفين، الحوافز، الاحترام، التقدير، الانصات، حل المشكلات، هذه المهارات يجب أن تتوفر في كل المستويات الوظيفية وهذا لا يتحقق بالمحاضرات والنصائح وإنما بالممارسة التي تبدأ من قمة الهرم الوظيفي ثم تنتشر فتتحول إلى ثقافة. التقنية وتطوير الاجراءات ليست بديلا عن المهارات الناعمة، ولن تغني عن وجود الإنسان. في إحدى الجهات التي تقدم الخدمات بوسائل تقنية متطورة أعلنت إجراءات جديدة تتطلب تحديث المعلومات عن بعد أو حضوريا. بعض المراجعين انتابهم حالة قلق فقرروا مراجعة هذه الجهة لإجراء التحديث المطلوب، حين وصلوا إلى مقر الجهة وجدوا موظفين يستقبلونهم بالابتسامة والقهوة السعودية، وتكليف موظف بمساعدة المراجع حتى إكمال الإجراءات المطلوبة. بيئة العمل في هذه الجهة بيئة تقنية متطورة لكنها قبل ذلك بيئة إنسانية جاذبة للموظف والمراجع. كيف وصلت هذه البيئة إلى هذا المستوى، المعادلة بسيطة وواضحة وهي انتقال رؤية القيادة إلى الميدان بجهود وفكر المديرين واستيعابهم لأدوارهم ومسؤولياتهم التي تجعل المتميزين منهم يبدعون في المهارات التنفيذية والقيادية في إطار إنساني لا يتعارض مع جودة الأداء وإنما يعززها.