: آخر تحديث

العالم يتخبط

10
10
12
مواضيع ذات صلة

مع بدايات هذا العام ما زلت أفكر بالأيام والأشهر والسنوات القادمة، ومستقبل أولادي وأحفادي والناس من حولي ومجتمعي ووطني، وأراقب التطورات التي ستؤثر على أعمالي، وذلك في خضم عالم مضطرب يتخبط يمينا ويسارا منذ بداية جائحة كورونا مرورا بالتضخم وصولا للحرب الروسية في أوكرانيا، وأحمد الله في الوقت ذاته أنني أعيش في الخليج العربي، حيث الأمن والاستقرار والازدهار.

في هذه المنطقة من العالم ما زال الناس يستيقظون كل صباح على أمل جديد وفرص جديدة، ويثابرون على تجاوز التحديات. لم تتغير خططهم، يرسلون أولادهم إلى المدرسة، ويذهبون إلى أعمالهم دون قلق بشأن أسعار الوقود أو التبريد والتكييف أو فقدان العملة لقيمتها أو ارتفاع فوائد قروضهم، كما أن فرص حصولهم على التعليم والصحة لم تتراجع، بل تحسنت، وأمس فقط أعلن مجلس الوزراء أن معدل البطالة انخفض في البحرين.

أصحاب الأعمال أيضا ما زالت مشروعاتهم قائمة ونشيطة بشكل عام، فالأرقام لا تكذب، والإحصاءات الرسمية مثلا أظهرت نموا متزايدا في القطاعات غير النفطية في البحرين بما فيها الإنشاءات وتجارة التجزئة، بل إن مبيعات المطاعم تجاوزت المليار دينار، وحقق قطاع الضيافة نموا بنسبة %14.7 هو الأكبر في تاريخه.

هذه النقاط المضيئة والإنجازات والطموحات ترصدها وسائل الإعلام المحلية، لكن وسائل الإعلام العالمية ترصد نقاطا مظلمة واخفاقات ومخاوف، ليس لدى تغطيتها الحرب الروسية في أوكرانيا فقط، بل في معظم مناطق العالم، العالم الذي بات على شفا حرب نووية.

تشابكت السياسة مع الاقتصاد واختلط الحابل بالنابل في كل مكان في العالم تقريبا، واتسعت رقعة الفقر والعوز حتى طالت أوروبا والأوربيين أنفسهم، وسمعنا جميعا كيف أن مسؤولا أوربيا طالب شعبه بعدم الاستحمام كثيرا بهدف توفير المياه، وكيف أن ألمانيا مثلا قللت من إضاءة المعالم التاريخية الشهيرة فيها بهدف توفير الكهرباء.

وبالمناسبة، يسألني الكثيرون: أنت رجل أعمال ناجح، فلماذا تقحم نفسك بالسياسة؟ والجواب بسيط وواضح، السياسة اليوم باتت تحدد مستقبل الأعمال. وأرى أن السياسة تعمل في غير مكانها، كما يحدث عندما يحدث تسرب دماء في الجسد خارج مجراه من القلب والأوردة والشرايين، أو عندما يختلط الزيت بالماء في محرك السيارة، ما يؤدي إلى التعطل والموت، والسياسيون يشعلون النيران اعتقادا منهم بقدرتهم على إبقاء تلك النيران تحت السيطرة، ومن الواضح أن الأمر ليس مضمونا في كل مرة.

كنت أعتقد أن ما حدث ويحدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن لن يتكرر في أي منطقة في العالم، وأنه حتى دول أفريقيا الوسطى تعلمت الدرس جيدا وأخذت العبرة وأصبحت أقل ميلا للنزاعات والحروب، وأن الدول العظمى أيضا قد ندمت على إثارة الفتن وإشعال الحروب، خاصة وأنها لم تحقق مكاسب مهمة من جهة، وجعلت العالم مكانا أكثر خطورة وتطرفا من جهة أخرى.

لكن اعتقادي كان خاطئا مع الأسف، فأوروبا، القارة الحضارية التي يحكمها العقل والمنطق والحكمة، لم يتخذ قادتها ما يجب من إجراءات لمنع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، ومن الواضح أنه لم تكن لدى مراكز مخابراتهم وعقول مفكريهم رؤية واضحة حول ردة فعل روسيا بوتين على توسعة حلف الناتو، حتى وصلت دولهم وشعوبهم إلى ما هي عليه الآن من حالة مأساوية ومستقبل غامض.
لم تتعرض أوروبا، ومعها العالم، لهذا القدر من الأخطار العسكرية والسياسية والاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية، بل إن الحرب الروسية في أوكرانيا هي أخطر مواجهة يشهدها العالم منذ أزمة الصواريخ الكوبية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. إنها حرب مصالح ونفوذ بين القوى الكبرى في العالم، وهذا أمر مفهوم، لكن أن تتحول إلى غطرسة وعنجهية وحرب عبثية لا طائل منها، فهذا الأمر غير مقبول على الإطلاق.

ليس هناك حتى الآن ضوء آخر النفق. الحرب الروسية في أوكرانيا بين كر وفر، تارةً يتقدم الأوكرانيون ويسترجعون جزءا من أراضيهم، وتارة أخرى يتقدم الروس ويفرضون سيطرتهم على مناطق جديدة، وفي كل مرة يتقدم جيش ويتراجع آخر تتكشف الأرض عن دمار جديد، وفي كل يوم يمر ستحتاج أوكرانيا إلى مليارات إضافية لإعادة الإعمار.

الكاتب الأمريكي ذائع الصيت توماس فريدمان يرى أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لنهاية الحرب الروسية في أوكرانيا، أولها أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيوسع الحرب إذا اضطر لذلك ولن يهتم بالكلفة الاقتصادية والإنسانية والخسائر المهولة بل إنه لن يهتم حتى لو اشتعلت حرب نووية، والسيناريو الثاني هو عقد «تسوية قذرة» من خلال السماح لبوتين باحتلال أوكرانيا وترتيب صفقات للتسوية للوضع الجديد كما حدث في سوريا، أما السيناريو الثالث والأخير الأقل احتمالا فهو أن يهب الشعب الروسي بشجاعة دفاعا عن مصالحه كما فعل الشعب الأوكراني، ويخلص المنطقة من الحرب من خلال عزل بوتين من منصبه.

وأرى أن بوتين عاقل لدرجة تجعله لا يخسر حرب أوكرانيا بعد الخسائر المهولة التي لحقت باقتصادها وجنوده، بل أن عدم تحقيقه لأهدافه يعني انهيار روسيا كقوة عظمى!
ربما تكون هناك تسوية تنص على وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية مقابل تنازل أوكرانيا رسميا عن المناطق الأوكرانية الشرقية الواقعة الآن تحت سيطرة روسيا، إضافة إلى تعهد رسمي صريح من كييف بعدم الانضمام إلى الناتو والخضوع جزئياً لموسكو.

قال لي أحدهم إن الوقت كفيل بحل أي مشكلة، وأن أي مشكلة نتركها للوقت ستنحل من تلقاء ذاتها. لكني أرى أن هذا الاعتقاد خاطئ، فالوقت لم يحل مشاكل العراق وإيران وليبيا وسوريا ولبنان، بل يزيدها سوءا، ونحن نريد أن نرى حلولا لهذه المشاكل خلال حياتنا، وليس بعد عشرات أو مئات السنين.

نحمد الله تعالى أنه حبانا بقادة حكماء استطاعوا تجنيبنا ويلات الحروب، وحافظوا على أمن واستقرار وازدهار دولهم، ومسؤولية كل فرد فينا أن يسهم في ذلك أيضا، وأن يعمل في مجاله لتــحقيق النجاح والتــطور علــى الصعيد الشخصي والأسري والعــملي، لأن نــجاح أوطــاننا هــو مجــموع نجاحاتنا كأفراد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.