في 14 كانون الأول (ديسمبر) من عام 1981، ضمت إسرائيل هضبة الجولان السورية التي احتلتها خلال حرب 1967.
وفي تطور جديد عقب انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد ودخول قوات المعارضة العاصمة دمشق، انتشرت القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة الفاصلة بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة. فما هي قصة هذه المنطقة الجبلية السورية التي تطل على وادي نهر الأردن من الغرب، والتي ضمتها إسرائيل قبل 43 عاماً؟
هناك اختلافات في سبب التسمية، حيث يقول باحثون إن الجولان لغوياَ اسم مشتق من (جال- يجول) في اللغة العربية، وأُطلق الاسم على المنطقة نظراً لتوفر الكلأ في المنطقة، وحاجة الإنسان للتجول بماشيته فيها للرعي. وهناك تفسير آخر يتفق في مصدر الاشتقاق من جال، ولكن يشير إلى أن سبب ذلك هو الغبار الذي تجول به الرياح في المنطقة، حيث تشهد الهضبة ظاهرة الرياح المحمّلة بالغبار خاصة بعد موسم الحصاد.
والجولان في اللغة الآرامية (جيلان- جلانا- جولانا) وجذرها الآرامي (جول)، بمعنى التجول والتنقل. وعندما وصل الإغريق إلى هذه المنطقة، أخضعوا الاسم إلى قواعد لغتهم فأصبح "جولانيتس"، وتحول في العصر الروماني إلى "جولانتيد".
فيما تنسب الموسوعة اليهودية إلى المؤرخ الإسرائيلي جوشوا براور القول إن هذا الاسم مستمد من كلمة "غولان" التي تعني المنفى، وتقول الموسوعة إن "غولان في باشان" الواردة في التوراة تتحدث عن مدينة تمثل ملاذاً للمنفيين في بلاد باشان (حوران).
الموقع والسكان
تقع هضبة الجولان جنوب غربي سوريا، شمال وادي نهر اليرموك، وغرب نهر الأعرج ووادي نهر الرقاد على الحدود مع محافظة درعا السورية، وشرق نهر الأردن وبحيرة طبرية، ويحدها جبل الشيخ مع الحدود اللبنانية.
وتبلغ مساحة هضبة الجولان 1860 كيلومتراً مربعاً، وتمتد لمسافة 71 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب وحوالي 43 كيلومتراً من الشرق إلى الغرب عند أوسع نقطة فيها، وهي على شكل قارب تقريباً.
ووفقاً لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، بلغ عدد سكان الجولان حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام 2021 ما يقارب الـ 23 ألف نسمة من الدروز في قرى مجدل شمس، ومسعدة، وبقعاتا، وعين قنية و25 ألف نسمة من اليهود في 30 بلدة أكبرهم كتسرين والتي بُنيت في عام 1977.
وتشتهر قرى الجولان بزراعة التفاح وكروم الكرز والعنب بالإضافة إلى رعي الأغنام والأبقار.
وتتميّز طبيعة هضبة الجولان بكثرة الوديان مثل وادي الجلبون، ووادي السعار، ووادي السمك، ووادي الصفا وغيرهم، بالإضافة إلى الأنهار مثل نهر بانياس ونهر الحاصباني، والعديد من الينابيع مثل ينابيع الحمة السوريّة، والبالوع، وبحيرة رام وبحيرة مسعدة.
وإسرائيل هي صاحبة السيادة على معظم الجولان (1200 كيلومتر مربع تقريباً) باستثناء شريط ضيق في الشرق يتبع خط الهدنة الإسرائيلي السوري المبرم في 10 يونيو/ حزيران من عام 1967، والذي تم تعديله لاحقاً بموجب اتفاقية فصل القوات المبرمة في 31 مايو/ آيار من عام 1974.
وتعتبر مدينة القنيطرة أهم مدينة في الهضبة التي تبعد 60 كيلومترا إلى الغرب من العاصمة السورية دمشق.
وتقع الأراضي الزراعية الأفضل في الجزء الجنوبي منها، أما سفوح جبل الشيخ في الشمال، التي تكسوها الغابات والشجيرات، فهي منطقة لتربية الماشية. ويرتفع الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من الجولان إلى 2224 متراً عند أقصى نقطة في الشمال الشرقي.
تاريخ
تؤكد الوثائق التاريخية أن الكنعانيين أول من استوطن هضبة الجولان، وتبعهم بعد ذلك العموريون، ثم الآراميون، ثم الآشوريون، ثم الكلدانيون كما تعرضت المنطقة لغزوات الفرس والإغريق والرومان إلى أن باتت تحت الحكم الإسلامي في القرن السابع الميلادي وقد شهدت هذه المنطقة معركتين من أهم المعارك في التاريخ العربي وهما اليرموك وحطين.
واستقر الدروز، وهم طائفة دينية، في المنطقة في القرنين 15 و16، وسيطروا عليها لمدة 350 عاماً تقريباً، قبل أن يستولي عليها المماليك ثم العثمانيون.
وفي منتصف القرن السابع عشر، سكنها أيضاً التركمان القادمين من أواسط آسيا وانضمّ إليهم الشركس القادمين من جبال القوقاز في منتصف القرن 19.
وفي عام 1894، قام المصرفي اليهودي الفرنسي، البارون إدموند دي روتشيلد، بشراء مساحة كبيرة من الأرض للاستيطان اليهودي في الجولان.
وقد شهدت المنطقة بالفعل محاولات للاستيطان اليهودي ولكنها أُحبطت بسبب رفض السكان العرب، وقوانين الأراضي العثمانية التي حظرت عملياً استيطان غير المواطنين.
ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى في عام 1918، خضعت المناطق التي كانت تسيطر عليها الدولة العثمانية إلى سلطات انتدابية تتبع دول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، حيث قُسّمت المنطقة التي تشكّل اليوم سوريا ولبنان وإسرائيل والأردن والأراضي الفلسطينية، بين سلطتي الانتداب البريطانية والفرنسية.
وفي عام 1923، تم ترسيم الحدود بين الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، والانتداب البريطاني على فلسطين والذي شمل المناطق التي تشكل اليوم إسرائيل والأراضي الفلسطينية.
واتفقت باريس ولندن حينها على ترسيم الحدود بحيث تكون هضبة الجولان بأكملها ضمن مناطق الانتداب الفرنسي، وبحيرة طبريا بأكملها ضمن الانتداب البريطاني.
وانتهى الانتداب الفرنسي على سوريا سنة 1946، وأصبحت هضبة الجولان جزءاً من الجمهورية السورية.
بعد قيام إسرائيل
بعد الحرب العربية الإسرائيلية في عامي 1948 و1949، حصنت سوريا القمة الغربية لمرتفعات الجولان، التي تطل على وادي الحولة وبحر الجليل ووادي نهر الأردن العلوي، وكلها حالياً تحت سيطرة إسرائيل.
وفي اليومين الأخيرين من حرب 1967 (9-10 يونيو/ حزيران)، وجه الجيش الإسرائيلي، بعد هزيمة مصر والأردن، قواته إلى سوريا.
وتحت غطاء من سلاح الجو الإسرائيلي،تقدم الجيش إلى مرتفعات الجولان شديدة الانحدار، وانسحب المدافعون السوريون ونزح معظم السكان العرب، وطلبت سوريا الهدنة وتوقف القتال في 10 يونيو/ حزيران، ووُضعت المرتفعات تحت الإدارة العسكرية الإسرائيلية.
وبقيت خمس قرى لم يغادرها سكانها من العرب الدروز والذين عُرضت عليهم لاحقا الجنسية الإسرائيلية، وقد رفضها معظمهم واحتفظوا بالجنسية السورية.
وأدى اتفاق فض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا، الذي تم توقيعه في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين أول 1973، إلى إنشاء منطقة عازلة تابعة للأمم المتحدة في مرتفعات الجولان، تحت مراقبة قوة دولية مشتركة ويتم تجديد تفويض قوة الأمم المتحدة هذه كل ستة أشهر.
وبحلول أواخر السبعينيات من القرن الماضي، تم إنشاء ما يقرب من 30 بلدة يهودية على المرتفعات، وفي عام 1981 ضمت إسرائيل المنطقة من جانب واحد، وقد أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 497 الذي أعلن بُطلان الضم.
فشل المفاوضات
ومثل ملف الجولان عقبة أساسية في مباحثات السلام التي انطلقت في التسعينات من القرن الماضي حيث استمرت المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، والتي كانت قد بدأت خلال في العاصمة الإسبانية مدريد في عام 1991، بشكل متقطع حتى انهارت في عام 2000 بسبب تمسك سوريا بانسحاب إسرائيل الكامل من أراضي مرتفعات الجولان.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك قد عرض إعادة معظم المنطقة لسوريا مقابل إحياء عملية السلام، غير أن دمشق كانت قد أكدت في محادثات عامي 1999 و2000 إصرارها على استعادة المنطقة بالكامل، وهو الأمر الذي لو حدث لمكن سوريا من السيطرة على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا، المصدر الرئيسي لمياه الشرب في إسرائيل.
وتريد إسرائيل الإبقاء على سيطرتها على بحيرة طبريا، مشيرة إلى أن الحدود تقع على بعد عدة مئات من الأمتار عن الشاطئ.
كما أن اتفاقاً مع سوريا يعني هجر البلدات الإسرائيلية، وهو الأمر الذي يعارضه الرأي العام الإسرائيلي بصفة عامة حيث يرى أن مرتفعات الجولان مهمة للغاية من الناحية الاستراتيجية ولا يجب إعادتها.
وكان الرئيس السوري السابق بشار الأسد قد أعلن عام 2003 إنه مستعد لإحياء محادثات السلام مع إسرائيل مقابل استعادة مرتفعات الجولان.
وتجددت المحادثات بين البلدين في عام 2008 من خلال وساطة تركيا، التي كانت آنذاك حليفة وثيقة لكلا البلدين، لكن تلك المحادثات انهارت بعد استقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت.
وبعد انتخاب حكومة بنيامين نتنياهو في فبراير/شباط من عام 2009 أشار إلى أنه سينتهج خطاً أكثر صرامة في ما يتعلق بالجولان، وفي يونيو/حزيران من عام 2009 قالت سوريا إنه لا يوجد لها شريك تتباحث معه في الجانب الإسرائيلي.
وكان الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، قد أعلن استئناف المحادثات بين الجانبين غير أن الحرب السورية الأهلية عام 2011 حالت دون إحراز أي تقدم.
وفي الوقت نفسه، دفعت التطورات في كل من إسرائيل والمنطقة في العقد الأول من القرن 21 دروز الجولان الهادئين تقليدياً إلى أن يصبحوا أكثر صراحة بشأن وضعهم حيث شهدت إسرائيل ارتفاعاً في طلبات الحصول على الجنسية من بعض أفراد المجتمع، بينما نظم آخرون مسيرات عامة لتأكيد الولاء لسوريا.
في عام 2014 اجتاح مسلحون متشددون يسعون إلى الإطاحة بالأسد محافظة القنيطرة في الجانب السوري، وأجبر المسلحون القوات الحكومية على الانسحاب، كما فرضوا على قوات الأمم المتحدة في المنطقة الانسحاب من بعض مواقعها، وخضعت هذه المنطقة لسيطرة مسلحي المعارضة حتى صيف عام 2018 عندما استعادت القوات الحكومية السيطرة على مدينة القنيطرة والمنطقة المحيطة.
وفي مارس/ آذار من عام 2019، أصبحت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تعترف بضم إسرائيل للمنطقة، وذلك خلال فترة دونالد ترامب الرئاسية الأولى.
انهيار اتفاق فض الاشتباك
في 7 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2024، وبينما كان الرئيس السوري السابق بشار الأسد وقواته المسلحة على وشك الانهيار في الحرب الأهلية السورية، دخلت القوات الإسرائيلية المنطقة العازلة منزوعة السلاح التابعة لقوة الأمم المتحدة المعنية بمراقبة فض الاشتباك.
وجاء ذلك عقب تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، علّق فيها على سقوط نظام الأسد في سوريا، وأعلن خلالها "انهيار" اتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974، وأنه أمر بـ "الاستيلاء" على المنطقة العازلة.
وقال نتنياهو: "نعمل بالدرجة الأولى على حماية حدودنا، هذه المنطقة كانت على مدار قرابة 50 عاماً منطقة عازلة اتُفق عليها عام 1974 بموجب اتفاقية فض الاشتباك، وقد انهارت الاتفاقية بترك الجنود السوريين لمواقعهم".
واتفاقية فصل القوات (فض الاشتباك) تم توقيعها بين إسرائيل وسوريا في 31 مايو/ أيار 1974، وأنهت حرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 وفترة استنزاف أعقبتها على الجبهة السورية.
وتقرر في الاتفاقية انسحاب إسرائيل من مناطق جبل الشيخ كافة التي احتلتها في الحرب، إضافة إلى مساحة نحو 25 كيلومتراً مربعاً تشمل محيط مدينة القنيطرة وغيرها من المناطق الصغيرة التي تم احتلالها في حرب 5 يونيو/ حزيران 1967.
وهذه الاتفاقية تحدد الحدود الحالية بين إسرائيل وسوريا والترتيبات العسكرية المصاحبة لها، وتم إنشاء خطين فاصلين، مع وجود منطقة عازلة بينهما.
وفي المنطقة العازلة تتولى قوة فصل القوات التابعة للأمم المتحدة "يوندوف" مهمة مراقبة تنفيذ الاتفاقية.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن الجيش الإسرائيلي احتل منطقة جبل الشيخ (تسميها إسرائيل منطقة حرمون) من الناحية السورية، والتي كانت تحت سيطرة نظام بشار الأسد.
وأوضحت الصحيفة، أن "قرار احتلال المنطقة السورية جاء باقتراح من وزير الدفاع يسرائيل كاتس، بعد أنّ تبين أن نظام الأسد قد سقط".
وقال المسؤولون الإسرائيليون إن وجود القوات الإسرائيلية مؤقت لمنع انتشار عدم الاستقرار في سوريا إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، لكن المسؤولين المصريين والعديد من المراقبين أثاروا مخاوف من أن إسرائيل تستغل عدم الاستقرار في سوريا للاستيلاء على الأراضي.
الأهمية الاستراتيجية
تبرز الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة للأسباب التالية:
- تبعد العاصمة السورية دمشق نحو 60 كيلومتراً عن مرتفعات الجولان، وكانت المدفعية السورية تدك منها شمال إسرائيل بين عامي 1948 و1967.
- منح جبل الشيخ الواقع قرب خط الهدنة والبالغ ارتفاعه 2800 متراً إسرائيل موقعاً ممتازاً لمراقبة التحركات السورية، كما شكلت طبيعتها الجغرافية حاجزاً طبيعياً ضد أي تحرك عسكري سوري.
- كما تعد المنطقة مصدراً مهماً للمياه فأمطار مرتفعات الجولان تغذي نهر الأردن، وهي تمد إسرائيل بثلث احتياجاتها من المياه.
- تعد أراضي المنطقة البركانية من أخصب الأراضي وتنتشر فيها أشجار التفاح وكروم العنب، كما يوجد بالمنطقة المنتجع الوحيد للتزحلق على الجليد الذي تستخدمه إسرائيل.