* * *
قبل عشر سنوات تقريباً، قام محاسب جمعية بالاستيلاء على مليون ونصف المليون دينار تقريباً من أموالها، ومع انكشاف أمره عاد لوطنه، الذي لا يسلّم مواطنيه للدول الأخرى، حتى لو كانوا «أتّالين أوتلا»!
الظاهرة الغريبة في تلك الجريمة أن ذلك المحاسب قضى أربع سنوات في ممارسة سرقاته، من دون أن ينتبه مجلس الإدارة، الشديد الالتزام دينياً، أو مدققو حسابات الجمعية إلى الأمر، بالرغم من ضخامة المبلغ المسروق، وطول فترة الجريمة، وسبق أن كتبت مقالات عدة عن الحادثة، وكيف أنها ما كانت لتبقى طي الكتمان كل تلك الفترة من دون وجود تعاون ما من أطراف من الداخل. كما ذكرت أن مجلس إدارة الجمعية لن يبذل ما يكفي من جهد لاسترجاع المجرم.
تكررت السرقات قبل تلك الحادثة، وبعدها، بالسيناريو نفسه، تقريبا، وغالبا مع جهات تنتمي أو محسوبة على الجماعات السياسية الدينية، وكان آخرها مع مردم آخر، أو جمعية قام محاسبها، خلال الفترة من 2018 إلى 2022، بارتكاب جريمة «غسل أموال» بلغ إجمالي مبالغها نصف مليون دينار، استثمرها في تجهيز وتشغيل عيادة للأمراض الجلدية، وأخرى لجراحة التجميل، وحقق من ورائها أكثر من 413 ألف دينار، وقام فوق ذلك بالتلاعب بالكشوف المصرفية لحسابات الجمعية، وأسماء العاملين فيها، من المعلمين، وتغيير المحررات الرسمية. كما أدين بالتلاعب في التقارير المالية المقدمة لمجلس الإدارة ولمدقق حسابات الجمعية، كما زوّر شهادة راتبه ورفعه تدريجياً من 600 دينار ليبلغ 2447 ديناراً، كما سجّل نفسه موظفاً في نادي الجمعية الصحي، وفي مطعم الجمعية، وتكرر صرف المكافآت والرواتب له لأكثر من مرة في الشهر، كما نجح في تزوير عقد مقاولة بين الشركة التي يمتلكها والجمعية، بمبلغ 410 آلاف دينار، ونجح من خلال العقد في سحب الأموال من حسابات الجمعية المصرفية.
كما كلف نفسه بإدارة مطبعة الجمعية، ومركز خدمة المعلم فيها، وخصص لنفسه 3% من إجمالي إيرادات الجهتين. وشارك في جريمة مزاولة مهنة الطب البشري، دون استخراج التراخيص اللازمة، وارتكب مخالفات جسيمة أخرى، دون أن ينتبه أي من أعضاء مجلس إدارة الجمعية، المردم، إلى ما كان يجري بها من أمور غريبة.
لكل ذلك رأت محكمة التمييز الحكم على المتهم بالسجن عشر سنوات، وتغريمه مبلغ مليون دينار! لكن العصفور طار من القفص، ولن يعود، كما حدث في الكثير من الحالات المماثلة!
السؤال الذي يتكرر طرحه: لماذا تتزايد حالات النصب والاحتيال في الجمعيات التي تدار، غالباً، من قبل الأكثر التزاماً دينياً؟
وبأي حق تقوم الحكومة بصرف معونة مالية سنوية للجمعية، قدرها 100 ألف دينار، بالرغم من أنها متخمة بالأموال؟ ولماذا اختفت قرارات التقشف عندما وصلت إلى جمعية مسيسة تماماً؟
أحمد الصراف