: آخر تحديث

تنشد عن الحال..

4
4
3

عبده خال

لا يزال الوضع على ما هو عليه، نتلفظ بهذه الجملة إذا سُئل الفرد منا عن حالة لا تزال رابضة في موقعها، وكثيراً ما كتبت عن بعض الظواهر الاجتماعية التي يعدها جيل الأقدمين أنها تصرفات خادشة للحياء وللذوق العام، فثمة عجائب تحدث من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تلك العجائب ليست لها مقاييس يمكن الارتهان إليها لمعرفة كيف تم إنتاج تلك المشاهد والحكايات، فالمقياس متغير، ويمكن لها الاتساع لدرجة أن تقول لم تعد هناك مقاييس، فالتعددية الفردية ورغباتها تتوزع بحيث تغدو متوالية هندسية لكل فرد فيها مقياسه الخاص.

ولا يمكن للمشاهد أو المتابع سوى وضع علامة استفهام أو استغراب خاصة به وليس البحث عن حل، فتعدد الرغبات كبير من غير حصر.

سأعود للحديث عما يتم بثه في موقعي «الانستقرام» و«السناب» كمثالين لما يحدث من خروج عن قاعدة الذوق العام، فبعض السيدات حولن الموقعين إلى صالات عرض للتعري والتكشف..

وتعددت وسائل العرض، فاللقطات والفيديوهات فاقت دعايات أفلام الإغراء، وكل امرأة (نفخت) جزءاً من أجزاء جسدها تحول ذلك (النفخ) إلى بؤرة للاستعراض... معلوم أن المرأة الجميلة تكتفي بإظهار جمال وجهها، إلا أن سيدات «الانستقرام» يركزن على إظهار مفاتنهن وهن على يقين بأن السلعة للاستهلاك الجمالي المزيف.

وكل واحدة منهن تطالب (الغر) بوضع قلوب أو ورود لكي تُمكن المعجب من التواصل معها على الخاص، وهي عملية استدراجية لجمع (الخراف) ومن ثم ذبحها مادياً، وهؤلاء السيدات أصبحت أجسادهن المكشوفة سلعة تقيم وفق عمليات (النفخ)... وثمة حيلة أخرى تتبعها أولئك السيدات بعرض الهدايا التي تصلهن من المعجبين أو المعجبات، لكي تتلقى الواحدة منهن أجمل هدية منهم أو منهن..

هذا السياق المستحدث يشير إلى الجانب الاستهلاكي الذي طغى على السطح كفلسفة تحدد العلاقة بين المادة (النقدية) والقيمة (المكانية أو الأخلاقية)، بحيث يكون المتغير مقبولاً في ظل أن الموجودات تحولت إلى سلع، وإجادة عرض السلعة مادة إعلانية..

ومن استشعر فداحة موضوع كهذا عليه فهم العلاقات الناشئة بين أفراد المجتمع، كونها دخلت إلى دائرة قاعدة السوق (العرض والطلب). الكارثة التي تظهر نذورها أن الجميع تحول إلى سلعة تُعرض في الموقع الذي ترتضيه لنفسها.. أن تبيع جسدك أو ذاتك أو تبيع عقلك أو تبيع مواقفك، فكل ما هو على السطح معرض للبيع!

ويمكن تعميم هذه الظاهرة على نطاق أوسع بالقول إن البيع ظاهرة هذا الزمن!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد