محمد خلفان الصوافي
السودان الشقيق، دولة وشعباً، يمر بواحدة من أخطر الأزمات السياسية التي واجهها على مدى تاريخه، الذي لم يعرف للاستقرار والأمن طعماً، وهذه الأزمة هي: الحرب الأهلية التي اشتعلت في أبريل من عام 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ووصلت أبشع مراحلها وصورها بما حصل مؤخراً في مدينة الفاشر عاصمة دارفور، والمتمثلة في عمليات القتل والإجرام التي لم تستثنِ أحداً، وهو ما يعكس حالة العجز لطرفي الصراع اللذين يدعيان تمثيلهما لطموحات الشعب السوداني من الثورة التي أسقطت الحكم العسكري في أبريل عام 2019، وهو تسليم السلطة لحكومة مدنية.
وصدق موقف دولة الإمارات من مأساة السودان، أنها تقف مع تحقيق تطلعات شعبه ووحدة أراضيه، بعيداً عن الحسابات السياسية لطرفي النزاع؛ هذا الكلام يشهد به السودانيون أنفسهم قبل المنظمات الدولية، التي أثبتت نزاهتها محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهي أعلى سلطة دولية، وذلك في مايو الماضي.
أما خطاب المبررات والأعذار وإلقاء اللوم لتشويه نوايا الإمارات تجاه الشعب السوداني، التي لم تعد مقنعة لأحد يفكر بمنطق، فهي محاولات غير طيبة، بل تبين أن الجيش السوداني -وهو الطرف الممسك بمقاليد الحكم- لا يريد تحمل مسؤوليته تجاه الشعب بقدر التركيز على المصلحة الضيقة لمن يدورون في فلكه.
إصرار طرفي الصراع على مواصلة القتال رغم الجهود الإقليمية والدولية للخروج من المأزق الذي وضعا نفسيهما فيه يعبر عن سلوكين بعيدين عنهما -المسؤولين مباشرة عما يحدث في السودان عموماً وفي الفاشر بشكل أخص- السلوك الأول: أن الطبقة السياسية الموجودة حالياً والمتمثلة في الجيش والدعم السريع لم تهتدِ بعد إلى الرغبة في الخروج من دائرة عدم المبالاة وإلى دائرة تحمُّل المسؤولية الوطنية والإنسانية للشعب السوداني.
والسلوك الآخر أنهما أيضاً لم يطويا بعد صفحة المصلحة الشخصية التي حددت توجهاتهما في بداية الاقتتال في عام 2023 بينهما، لذلك فهما مستمران في ارتكاب الأخطاء السياسية والإجرام في حق الشعب السوداني.
وإذا لم يرتقِ الطرفان إلى تلك المسؤولية والالتزام بخريطة طريق اللجنة الرباعية (الطرف الوسيط) فإن الفجوة ستتعمق بينهما وبين الرأي العام السوداني والرأي العالم العالمي.
الإمارات ما زالت تدعم الجهود الصادقة لمنطق الحوار والتفاوض بين طرفي الصراع من أجل بناء جبهة وطنية واحدة لتحقيق آمال الشعب السوداني، من منطق أن كل الأزمات والحروب تُحل بالتفاهم وترسخ الاتفاقات بين المتصارعين، أما التعنت من باب أن الجيش هو المرجعية الأخيرة للسودان، فهو يخلق التوتر ويضع كل المساعي في نفق مغلق.
والمثير في الأمر أن يحدث هذا في وقت تجد أن كل الأسباب الموضوعية تدفع إلى أهمية التوافق السوداني مهما كانت الخلافات والصراعات لأن الخاسر الوحيد هو الشعب.
وإشارة إلى صدق مساعي الإمارات تجاه الشعب السوداني فقد طالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته من خلال إجبار الطرفين على الحوار؛ لأنها رأت في الاثنين -الجيش والدعم السريع- أنهما لن يهدأ لهما بال إلا بتنفيذ كل طرف لمخططه، حتى لو دخل السودان وشعبه في صراعات مستمرة وطويلة.
واستمرا في توريط من يحاولون المساعدة في إيقافها، لأن هناك منتفعين إعلامياً ومالياً من هذه الحرب ومستفيدين من غسل مخ البعض من الرأي العام العالمي ضد الإمارات.
إن الحل الوحيد للخروج من هذه المأساة الأمنية والإنسانية في السودان لا يكون إلا بتوحيد المصلحة الوطنية من خلال الحوار بين المختلفين، وعدم استسهال إلقاء اللوم وفق «نظرية المؤامرة الخارجية».
الحكم المدني هو أعلى مطالب الشعب السوداني الذي قاد ثورته ضد النظام السابق في عام 2019، وهو هدف يسعى إليه.
وتحقيق هذا الهدف يحتاج للخروج من عقلية الصراعات الشخصية بين البرهان وحميدتي، التي اختزلت مصلحة السودان وشعبه في إرادتهما.
محاولة الوقيعة بين صدق الموقف الإماراتي والشعب السوداني من خلال استغلال فشل طرفي الصراع هو أمر يسعى له كل من لا يريد حلاً لهذه الدولة وشعبها الذي يُكن له الإماراتيون -حكومة وشعباً- كل التقدير والاعتزاز بما أسهم به في نهوضها التنموي.

