: آخر تحديث

عاصفة آسيوية في أجواء الخليج

1
2
2

منيف الحربي

قبل يومين، وقّعت طيران «إير آسيا» مذكرة تفاهم مع مملكة البحرين لاستكشاف جعل المنامة مركزاً رئيسياً للشركة في الشرق الأوسط.

هذه الخطوة تحمل دلالات مهمة، نظراً لكون «إير آسيا» إحدى أكبر شركات الطيران الاقتصادي في العالم التي تمتلك نموذجاً تشغيلياً أثبت نجاحه، بأسطول يفوق 200 طائرة، وتعاقدات مؤكدة لشراء 367 طائرة من إيرباص، مع خطط طموحة للوصول إلى 600 طائرة خلال السنوات المقبلة.

الشركة العملاقة تخطط لخلق مسار يربط بين آسيا والمنطقة انطلاقاً من البحرين، عبر رحلات مباشرة منخفضة التكلفة، وكذلك خدمات شحن وتدريب وصيانة، إضافة إلى الربط بين سوقها الآسيوي ومحطات أوروبية مختارة، في محاولة لصناعة حضور أوسع في الشرق الأوسط.

هذه الخطوة ستخلق بلا شك تنافساً جديداً في سوق الطيران الخليجي، وهي منافسة صحية؛ لأنها توسّع السوق وترفع جودة الخدمات وتنوّع الخيارات أمام المسافر.

من المبكر الجزم إلى أين ستتجه المنافسة، لكن من الواضح أن نماذج الشركات الكبرى الشاملة لن تتأثر مباشرة، على عكس طيران العربية الجديد في الدمام، الذي يدخل اختباراً مبكراً لا يُستهان به، فوجود طيران مثل «اير آسيا» على بعد عشرات الأميال قد يهدّد نجاح التجربة الوليدة، وقد يدفع العربية للتوسّع أكثر واستباق التأثير، فالعربية نجحت في ترسيخ موقعها سابقاً، وعليها اليوم أن تقرأ التغيّرات القادمة في السوق، وتعيد تموضعها أمام لاعب كبير يمتلك شبكة ضخمة، وخبرة طويلة في الطيران الاقتصادي، وخطوط تشغيل تمتد عبر أكثر من 165 مطاراً حول العالم.

التغيير الأهم هو أن السعودية اليوم ليست متفرجاً في سوق الطيران، بل قوة صانعة للمستقبل، وإذا كانت دول المنطقة تتحرك لتأمين أو ترسيخ موقع لها في السباق، فالمملكة تعمل على رسم السباق نفسه، من خلال المطارات والناقلات والتمويل والشراكات والسياحة... أي من خلال بناء منظومة كاملة وليست شركة أو مطاراً منفرداً.

ما يجري اليوم ليس سباقاً على من يمتلك شركة طيران أو يبني مطاراً، بل سباق على من يصنع سوقاً، ويمتلك رؤية وبنية وتأثير.

الواضح أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة جديدة من صناعة الطيران، فالسعودية أطلقت قبل فترة أكبر استراتيجية طيران في تاريخها، مستهدفة الوصول إلى 150 مليون مسافر سنوياً بحلول 2030، وربط المملكة بأكثر من 250 وجهة حول العالم، يتقدم هذه الرؤية مطار الملك سلمان الدولي، الذي سيكون من أكبر مطارات العالم عند اكتماله، وكذلك جاءت طيران الرياض لتكون ناقلاً وطنياً جديداً بطموحات عالمية، فيما تواصل الخطوط السعودية وطيران ناس وأديل توسيع حضورها، أيضاً كان تأسيس شركة أڤيليس لتمويل وتأجير الطائرات إضافة نوعية، تعزز مكانة المملكة لاعباً محورياً في القطاع.

الطموحات السعودية لم تقف عند ذلك، بل امتدت إلى ملكية الأصول العالمية، مثل الاستحواذ على حصة في مطار هيثرو أحد أهم مطارات العالم، وكذلك الاستثمار في إير آسيا نفسها، حيث لعب صندوق الاستثمارات العامة الدور الأكبر في جولة جمع تمويل للمجموعة بقيمة 100 مليون دولار.

كل هذه الخطوات تعكس تحوّل المملكة من مجرد سوق تستقبل شركات الطيران إلى دولة تعيد تشكيل معادلة الطيران الإقليمي والدولي، وتبني مستقبلاً جديداً للسفر والاستثمار والسياحة.

إن الدول التي تعرف قيمة قطاع الطيران لا تبني مطارات ولا تؤسس شركات... بل تبني فوق ذلك مستقبلاً، تفتح من خلاله نوافذ جديدة على العالم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد