: آخر تحديث

هل توصيف النهضة السعودية جريمة؟

1
2
2

رامي الخليفة العلي

حين يتحدث رئيس دولة بموضوعية وبلغة العقل والواقع، يفترض أن يُقابل حديثه بالاحترام والتقدير، لا أن تنهال عليه سهام الإعلام المأجور الذي فقد بوصلة المهنة وشرف الكلمة، واختار الاصطفاف في خندق الضجيج والافتراء. هذا ما حدث تماماً مع الرئيس السوري أحمد الشرع عقب كلمته في مؤتمر الاستثمار في الرياض، حين أشاد بالدور الريادي للمملكة العربية السعودية، مؤكداً أنها تقود قاطرة التنمية في المنطقة، وتمثّل النموذج الذي يُحتذى به في الإدارة والتخطيط الاقتصادي والنهضة الشاملة. لم يقل الرجل سوى الحقيقة الواضحة التي يدركها كل من يتابع مسار التحوّل الذي تشهده المملكة خلال العقد الأخير، من استقرار سياسي واقتصادي، إلى إصلاحات هيكلية كبرى، إلى رهان واعٍ على الشباب السعودي كركيزة للتقدّم، إلى توظيف ذكي للتقنيات الحديثة في كل مفاصل الدولة. ومع ذلك، لم ترَ بعض المنابر الإعلامية في هذا الموقف سوى فرصة لتصويب سهامها نحوه، لا لسبب إلا لأنها لا تحتمل أن ترى نموذجاً عربياً ناجحاً يقود من دون وصاية أحد، ويصنع نهضته بإرادته لا بتوصيات المؤسسات الدولية أو بإملاءات الخارج. هذا الإعلام الذي يتدثر برداء الوطنية ويتغذى على الخطاب الشعبوي هو نفسه الذي يسكت عن الفساد ويُبرر الإخفاق، ثم يتجرأ على من يشهد بالحق لدولة عربية شقيقة تقف اليوم في مقدّمة الركب. ما قاله الشرع ليس مدحاً سياسياً عابراً، بل هو توصيف موضوعي لواقع ملموس، فالمملكة العربية السعودية باتت تمثّل اليوم مركز ثقل اقتصادي وسياسي في المنطقة، وهي الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تجمع بين الرؤية الاستراتيجية والانضباط التنفيذي، وبين الأصالة والحداثة، وبين الثروة المادية والثروة البشرية. فهل يُعقل أن يتحوّل الإقرار بهذه الحقائق إلى «تهمة» تستوجب الهجوم؟ أم أن بعض الإعلاميين باتوا يرون في نجاح الآخرين مرآةً تعكس عجزهم وفشلهم في فهم المعادلات الجديدة؟ إن الإعلام الذي يهاجم الشقيق حين ينجح، ويمتدح الغرباء حين يفشلون، هو إعلام فقد انتماءه قبل أن يفقد مهنيته. إعلام لا يملك مشروعاً سوى تسويق الوهم وبث الغيرة المسمومة بين الشعوب. الإعلام الذي هاجم الرئيس السوري لم يفعل ذلك دفاعاً عن قضية أو عن مبدأ، بل لأنه لا يحتمل رؤية موازين القوة تتغيّر في المنطقة من الفوضى إلى الاستقرار، ومن الشعارات الجوفاء إلى الإنجاز الحقيقي. المملكة اليوم تصنع التاريخ الحديث للمنطقة بهدوء وثقة، ومن الطبيعي أن يزعج ذلك من اعتادوا على الضجيج وبيع الكلام. نعم، الخير الذي يصيب المملكة يصيب العرب كلهم، والاستقرار الذي تبنيه هو سياج يحمي المنطقة من الانهيار، أما الذين يسخرون من النهضة السعودية فهم أول من يهرع إلى طلب دعمها عند أول أزمة. لقد آن للإعلام أن يعود إلى رشده، أن يتخلى عن الغيرة المرضية والعداء المجاني، وأن يتعلّم أن الاعتراف بالنجاح العربي ليس ضعفاً بل هو قوة ومروءة وشهادة للتاريخ. المملكة لا تحتاج مديح أحد، ولكن من العيب أن يُحارب نجاحها من قبل إعلام عربي فقد صوابه، فصار يرى في كل ضوءٍ عربي مشعٍّ تهديداً لعتمته هو. وختاماً، فإن الهجوم على من يقول الحقيقة لا يغيّر الحقيقة، بل يزيدها بريقاً، وإن من يهاجم منطق الاعتدال والإنجاز، إنما يوقّع بيده شهادة سقوطه الأخلاقي والمهني أمام الرأي العام العربي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد