: آخر تحديث

تصنيع المستقبل

2
1
1

في وقتٍ تتسارع فيه تحولات الاقتصاد العالمي، تتهيأ الرياض لتكون منصة القرار الصناعي الدولي، مستضيفةً المؤتمر العام الحادي والعشرين لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO)، في حدثٍ يعكس عمق الحضور السعودي في معادلة التنمية المستدامة ورؤية المملكة الطموحة لعالمٍ أكثر توازناً وعدالة.

تؤكد المملكة من خلال استضافة هذا المؤتمر الدولي بين 23 و27 نوفمبر 2025 مكانتها بوصفها مركزاً فاعلاً في إعادة تشكيل خريطة التصنيع العالمي، فالرياض لا تفتح أبوابها لوفود تمثل أكثر من 170 دولة فحسب، بل تفتح أفقاً جديداً للحوار حول مستقبل الصناعة والابتكار والتقنية والبيئة في زمنٍ يتقاطع فيه الاقتصاد مع السياسة على نحوٍ غير مسبوق.

لم يعد التصنيع في القرن الحادي والعشرين مجرد خطوط إنتاج أو مصانع ضخمة، بل أصبح رؤية اقتصادية شاملة تجمع بين التكنولوجيا والتعليم والطاقة والسياسات المالية، ومن هنا تنبع أهمية رؤية السعودية 2030 التي وضعت الصناعة في قلب التحول الوطني، وجعلت من الابتكار ركيزة للنمو، ومن الشراكات الدولية أداة لتحقيق الاستدامة.

يحمل هذا المؤتمر بعداً سياسياً واقتصادياً مزدوجاً؛ فهو يعكس الثقة الدولية في الدور القيادي للمملكة، ويؤكد قدرتها على بناء نموذج صناعي متوازن يجمع بين كفاءة الأداء وحماية الكوكب، كما يمثل منصة لإبراز التجربة السعودية في تمكين الكفاءات الوطنية، وتوطين التقنيات، وتطوير صناعات المستقبل القائمة على الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الأخضر.

وتمتد أهمية المؤتمر إلى البعد الدبلوماسي، إذ يعيد تثبيت موقع الرياض كجسرٍ بين الشمال الصناعي والجنوب النامي، وكمحركٍ للتقارب بين مصالح الدول الصناعية الكبرى وطموحات الدول النامية الباحثة عن عدالة النمو وفرص الاستثمار، هذا الحضور السعودي النشط في مؤسسات الأمم المتحدة يعيد تعريف القوة الناعمة للمملكة، ويجعل من دبلوماسيتها الاقتصادية أداة لتحقيق الأمن العالمي عبر التنمية لا النزاعات.

كما يرسخ المؤتمر قناعة المجتمع الدولي بأن التحول السعودي ليس محلياً فحسب، بل هو مشروع عالمي في فكرته وأثره، فالمملكة اليوم لا تصنع مصانعها فقط، بل تصنع رؤيتها للعالم الصناعي القادم، وتسهم في وضع قواعده الجديدة القائمة على الشفافية والمسؤولية البيئية والعدالة في توزيع الفرص.

إن احتضان الرياض هذا الحدث الأممي يضعها في موقع متقدم ضمن منظومة الاقتصاد العالمي الجديد، ويجسد انتقالها من مركزٍ نفطي إلى مركزٍ صناعي متطور يوازن بين الموارد والابتكار، فحين تجتمع دول العالم تحت سقفٍ واحد في الرياض، فإنها لا تبحث فقط عن حلول للتصنيع، بل عن ملامح لعصرٍ جديد تصنعه المملكة بثقة، وتُرسي من خلاله مفهوماً عالمياً جديداً للتنمية المستدامة والنهضة الإنسانية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد