بينما تتقاطر جهود دعم أهل غزة في محنة التجويع والقتل، لا تكتفي جماعة «الإخوان المسلمين» ومن يواليها بالفرجة أو الصمت، بل توغل في تشويه كل سعي لتخفيف وقع المأساة، كاشفة وجهاً حقيقياً خفي عن كثيرين عقوداً، وعن دينها الخاص الذي تسوّغ به لنفسها أعمالها وتحاكم غيرها وفق مقاييس مبتدعة. كلما لاحت نهاية لما يجري في غزة، بانت رغبة الجماعة في استمراره، لأنه ينعش تجارتها، ويبرر ظهور وجوهها غير الحقيقية التي تتوارث التزييف وقلب الحقائق وتسليع كل شيء، لتقبض ثمنه. وفي حين تواصل دول عربية وأجنبية اختراق محنة التجويع في القطاع، بما تيسر من سبل، أسرعها الآن الإسقاط الجوي، تستمر جماعة «الإخوان المسلمين» في السقوط، محكومة برغبة في الانتقام من كل من يكشف زيفها ويقطع الطريق على فساد منهجها. لم ترتدع الجماعة بفشل محاولاتها المتكررة لتهييج شوارع عربية ونشر الفوضى، بزعم نصرة غزة، ولم تسأم بذل جهد بغير جدوى للإساءة إلى زعامات وعواصم عربية، تجعل ملف غزة في صدارة اهتماماتها، ولم تفلح الجماعة في جعل التشويه والإساءة واختلاق الأخبار، مانعاً لهذه العواصم من السعي الصادق لتحقيق اختراقات في الملف الفلسطيني. هذه الموجات المتتالية من الفشل، دفعت الجماعة إلى كشف أحد أوجهها الحقيقية، وبلوغ مرحلة من التهور هي بلا شك منعطف في مسيرتها. لم تستطع الجماعة صبراً وهي ترى خطر تهجير الغزيين يبتعد، ولم يرق لها أن تقترح أغلبية دول العالم مساراً جديداً للقضية الفلسطينية مرتبطاً بوقف العدوان الإسرائيلي، واستهجنت توالي الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لم تتصور الجماعة أن تبور بضاعتها بهذه السهولة، فارتبكت بشكل فاجأ أولاً من لا يزال يصدقها أو يواليها، واختلطت المتناقضات على لسان شبابها والمخضرمين فيها، وتوحدت في معظمها مع الخطاب الإسرائيلي. تهاجم الجماعة مصر مطالبة بفتح المعبر، ثم تقول إنها لو فتحته ستكون شريكة في تهجير الفلسطينيين من غزة. تدعو إلى فضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي القاتلة للغزيين، لكنها تفعل ذلك بمهاجمة السفارات المصرية والأردنية في بعض العواصم، ولا ينتهي الأمر بوقفة لبعض عناصر الجماعة وموالين لها أمام السفارة المصرية في تل أبيب، في أحد مشاهد العبثية المقصودة التي تبرئ مرتكبي الحماقات والجرائم المتواصلة في غزة وتهاجم من يتدخل لتخفيفها أو وقفها. يروق للجماعة ترويج خرافة إلقاء المصريين زجاجات تحوي مساعدات غذائية للغزيين في البحر، علّها تنقذهم من المجاعة، ويطيب لها أن تستصرخ أبواقها القلوب الرحيمة في العالم لإنقاذ حياة فلسطيني في غزة بكيس طحين، لكنها لا ترى في إسقاط المساعدات على القطاع أمراً مفيداً. لجوء دول عربية وأجنبية إلى هذا الإجراء المؤقت، باعتباره أفضل من العدم، يحرم الجماعة من تسويق محنة غزة بما يخدم مصالحها التي التقت الآن مع مصالح إسرائيلية. الإسقاط الذي لم يقل أحد إنه حل دائم، عنوان جديد لسقوط الجماعة، ربما إلى الأبد.
الإسقاط والسقوط
مواضيع ذات صلة