: آخر تحديث

رقصة طغت على رواية

2
2
2

لا موسيقى فيلم «زوربا اليوناني»، ولا رقصة الممثل أنتوني كوين في الفيلم تُنسيان منذ عرضه في عام 1964 بالأبيض والأسود، حتى طغت الرقصة على الرواية، ويكاد المؤلف نيكوس كازانتزاكيس يختفي في الجسد الجنرالي للممثل الذي أدّى أيضاً في فيلم آخر وباقتدار إبداعي عظيم دور عمر المختار.صدرت الطبعة الأولى من رواية «زوربا» في العام 1946، وقبل أن تتحول إلى عمل سينمائي نقلت إلى العديد من لغات العالم الحية، واجتهد الكثير من المترجمين العرب في نقلها إلى لغتنا بمستويات فنية متفاوتة، ومع ذلك، فهي من الروايات المقروءة أو التي قرئت على نطاق عربي واسع سواء من جانب نخب القراءة العربية المثقفة أو من جانب قرّاء الكتب العاديين.ارتفعت بورصة تداول الرواية بعد تحوّلها إلى فيلم سينمائي، ولم تكن أحداث الفيلم من حيث التصوير والإخراج والحيثيات الفنية الأخرى وراء ارتفاع شعبية الرواية، بل رقصة زوربا في الفيلم، تلك اللقطة السينمائية شبه العابرة هي التي جعلت الرقصة تطغى على الرواية.أصبحت الرواية برمّتها مختزلة في الرقصة التي تتجسد حركياً في السينما أكثر من تجسدها الحركي في النص السردي، وسوف تساعد الموسيقى التصويرية على قوّة حضور الرقص، وتغطيته على النصّ.أعمال روائية كثيرة طغت عليها اشتغالات السينما، وإذا أردت لم يكن فيلم «قصة قاتل» أو «العطر» المأخوذ عن رواية «العطر» للألماني باتريك زوسكيند في مستوى قوّة الرواية وحركتها الديناميكية المرعبة المتمثلة في عمليات القتل التي كان يقوم بها بطل الرواية غرونوي، ومع ذلك، اختطفت بعض مشاهد الفيلم التصويرية والموسيقية الكثير من وهج الرواية.في رواية «البؤساء» الشهيرة لفيكتور هيجو نشهد نوعاً مركباً من اختطاف السينما للرواية أو طغيان الفيلم على النصّ، ذلك أن «البؤساء» تحوّلت إلى عرض سينمائي ثم تحوّلت إلى مسرحية موسيقية، وفي الحالين، لايكاد يبقى من الرواية برمتها غير صورة جان فال جان، الصورة التي غطّت على الفيلم والمسرحية والرواية معاً.«الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، «جريمة في قطار الشرق السريع» لأجاثا كريستي، «اللص والكلاب» لنجيب محفوظ، «الجذور» لإليكس هيلي، روايات كبيرة تحوّلت إلى أعمال بصرية سينمائية مشغولة بدرجة عالية من المهنية الإخراجية والتصوير والإضاءة، بحيث تستولي كل هذه العناصر الفيلمية على الرواية كنصّ أدبي سردي كما هو في اللحظة التي ولد فيها على يد الكاتب.وإذا أردت مرة ثانية عد إلى القوائم الواردة في «تصنيف: أفلام مبنية على روايات» في «الويكيبيديا» لتتفاجأ أن السينما العالمية الحديثة ما هي إلا الرواية وتحديداً الرواية الواقعية الكلاسيكية.هذا النوع من الروايات سهل التحويل إلى سينما، أو أنها روايات قابلة للانقلاب عليها بسهولة لتصبح أفلاماً «أكبر من روايات»، في حين يتجنب صنّاع «الفن السابع» تلك الروايات التجريبية أو التجريدية أو الفوق واقعية، لأنه عادة لا يوجد زوربا آخر في مثل هذه الروايات


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد