: آخر تحديث

الخوف على السودان

1
2
2

خالد بن حمد المالك

أكاد لا أصدق ما جرى ويجري في الفاشر السودانية من جرائم وقتل على رؤوس الأشهاد لمواطنين ربما كانوا مُعارضين حقيقيين لميليشيا الدعم السريع، وربما بُني القتل على وشايات، وأياً كان السبب، فلا يحق للدعم السريع أن يتصرف مع من قتلوا على هذا النحو، وبهذا الفجور، وانعدام الإنسانية، وحقوق المواطنين في الحياة.

* *

أكاد لا أصدق تلك المشاهد المأساوية الدامية التي تدمع لها العين، ويرف لها الجفن، ويُنكرها الحس الإنساني والأخلاقي، ويُنظر إليها على أنها عدوان غير مبرر، وجريمة لا تُغتفر، وتصرف أحمق، في غياب الضمير والإنسانية، وانعدام الأخوة، والانتماء الواحد من الجميع للوطن السوداني الغالي.

* *

ما أقساه من مشهد صادم، يُؤخذ فيه المواطنون، مكبلين، لا قدرة لديهم للدفاع عن أنفسهم، يؤخذون إلى الصحراء، أمام أنظار العالم، ويتم إطلاق النار عليهم، واحداً بعد الآخر، ومن ثم نقلهم جثامين إلى مقابر جماعية، دون رحمة أو شفقة، أو شعور بالذنب بما ارتكبوه من جريمة نقلت وسائل الإعلام تفاصيلها.

* *

وبينما يرى قائد الدعم السريع بأن ما حدث يُعد انتصاراً يدرَّس بالجامعات والكليات العسكرية، تضغط عليه تغطيات وسائل الإعلام، وإجماع العالم على إنكار هذا الجرم الشنيع، فيحمِّل المسؤولية لشخص واحد، هروباً من المسؤولية، وتفادياً لردود فعل لا تخدم مشروعه في تقسيم السودان.

* *

لقد رصدت أجهزة التصوير، ونقلت قنوات التلفزيون، ومواقع التواصل الاجتماعي، ما كان الدعم السريع يظن أن أحداً لن يعرف عن هذا الجرم، وأنه إجراء داخلي لتخويف الناس، وإجبارهم على تقبُّل سلوك الدعم السريع، وعدم الاعتراض على هذه الحرب التي اشتعلت منذ أكثر من عامين ولا زالت.

* *

وإن سيطرة الدعم السريع على الفاشر، وتهديده بالسيطرة على مدن أخرى، وربما لجوؤه إلى القيام بجرائم أخرى جديدة ضد السكان في المواقع الأخرى، لن يكون مستغرباً، طالما فعل ما فعل في الفاشر، ومرت الجريمة بردود فعل عالمية لا تتجاوز التنديد والاستنكار وتجريم هذا العمل، بما لا يتجاوز الكلام الذي يطير في الهواء.

* *

ومن المؤكد أن تمدد الدعم السريع، وقدرته على تحقيق السيطرة على الفاشر وغيرها، ما كان ليحدث لولا الدعم الذي يتلقاه، مالياً وعسكرياً من أطراف أجنبية، إسناداً لمؤامرة تتجه لتقسيم السودان، وإحداث فوضى في البلاد، وصراعات بين أبناء البلد الواحد، ما يجعل المواطنين يتخوفون مما هو أسوأ.

* *

إن تسليح الدعم السريع بهذا النوع المتطور من المعدات العسكرية، وتعضيده بما يجعله قادراً على مواجهة الجيش الوطني، لا يخدم السودان ولا السودانيين، وإنما يعزِّز المؤامرة التي تخطِّط لتحويل الأراضي السودانية إلى أكثر من دولة، وهذا ما يسعى له أعداء السودان، والمتآمرون على وحدته في الداخل والخارج.

* *

نعم، لقد خسر السودان في هذه الحرب الشيء الكثير بين قتيل ومُصاب ومُهجَّر، وتعرَّضت البنية التحية والمباني إلى الدمار، وتأثر اقتصاده، وإمكاناته المالية إلى الحد الذي أصبح فيه المواطنون يعانون من الجوع، فضلاً عن فقدان الأمن والخدمات الصحية، وتوقف التعليم في كثير من مناطق البلاد، ولا يظهر ما يوحي بأن السودانيين على موعد لإيقاف القتال، والتوجه نحو الحوار.

* *

السودانيون لا يستحقون ما يحدث، فهو شعب طيب ولا ينبغي أن يُحرم من الحياة الحرة الكريمة، وليس له مصلحة في مثل هذه الحرب، ولن تقود معارك كهذه لما يتمناه السودانيون من ازدهار، ولن تجلب لهم إلا الدمار والتشتت، وقد تجر بلادهم إلى التقسيم، فحذار أن تكون هذه هي مخرجات هذا القتال.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد