: آخر تحديث

القلق الاقتصادي

2
2
2

عمر الطبطبائي

في ظاهره يبدو المجتمع الكويتي مستقراً من الناحية المالية... دعم حكومي، رواتب منتظمة، ومعدلات ادخار جيدة نسبياً... لكن خلف هذا الهدوء السطحي يتصاعد شعور يُسمّى في الأدبيات الاقتصادية بـ«القلق الاقتصادي» (Economic Anxiety)، وهو شعور لا يرتبط مباشرة بالفقر أو الحاجة، بقدر ما يرتبط بالخوف من التراجع، وفقدان المكتسبات، وضبابية الرؤية المستقبلية.

في الكويت، يتجلى هذا القلق بأشكال مختلفة، فالشباب الكويتي رغم تمتعه بفرص تعليمية إلا أنه يواجه بطالة مُقنّعة، وتأخراً في التوظيف، واعتماداً شبه كامل على القطاع العام الذي لم يعد قادراً على استيعاب المزيد، وفي الوقت ذاته تتزايد التحديات المالية للدولة وتتراجع فوائضها.

«القلق الاقتصادي الكامن»، يشعر معه المواطن أنه في بيئة مالية ساكنة ظاهرياً لكنها غير قابلة للاستمرار، فالجيل الحالي على عكس الأجيال السابقة ينظر بعين مختلفة للتقاعد أو لاستقرار الدعم الحكومي، أو للوضع الاقتصادي العام في ظل الضغوط الإقليمية والدولية.

القلق الاقتصادي هنا ليس وهماً بل نتاج واقعي لثلاثة عناصر:

1 - اقتصاد ريعي لا يُنتج: الاعتماد المفرط على النفط كمصدر رئيسي للدخل، مع غياب قاعدة إنتاجية حقيقية يجعل الاقتصاد هشاً أمام تقلبات الأسواق العالمية.

2 - عجز إصلاحي لا مؤسسي: الإصلاحات الاقتصادية تُطرح دون خارطة طريق واضحة، ودون إشراك حقيقي للمجتمع أو لقطاعات الإنتاج في صياغتها.

3 -غياب الشفافية تجاه المواطن، خصوصاً مع تكرار الطروحات التي تتحدث عن «الدّين العام» و«رفع الدعوم»، دون مقابل إصلاحي شفاف.

وهنا لا بد من التأكيد على قاعدة اقتصادية وإنسانية لا تقبل التنازل حيث لا يجوز أن يُبنى أي مشروع تنموي على حساب المستوى المعيشي للمواطن، فإضعاف الموارد البشرية أو إنهاك الناس مالياً، تحت مبرر الاقتراض لمشروعات مستقبلية هو إخلال بأبسط شروط التنمية العادلة، فلا توجد خطة استثمارية ناجحة تبدأ بتقليص الكفاءات أو إضعاف القدرة الشرائية.

في أدبيات الاقتصاد، يقال إن «القلق الاقتصادي» ليس ناتجاً عن الفقر، بل عن الخوف على الاستقرار، وهذا ما تعيشه الكويت اليوم... مجتمع لم يختبر انهياراً مالياً مباشراً، لكنه يختبر شعوراً متصاعداً بأن القادم قد لا يكون كما اعتاد عليه.

القلق الاقتصادي ليس فقط حالة نفسية إنما مؤشر مبكر على خلل هيكلي. وفي بلد كالكويت، فإن عدم إدراك هذا المؤشر يعني أننا نراكم شعوراً طبقياً نحن في غنى عنه، أو عزوفاً، أو حتى هجرة فكرية ونزيفاً للكفاءات.

ولعلّ أصعب ما في القلق الاقتصادي أنه صامت لا يُرى في المؤشرات التقليدية، ولا يظهر في ميزانيات الدولة، لكنه يسكن في قرارات الناس، في أحاديثهم اليومية، في ترددهم في الاستثمار أو المغامرة أو حتى الزواج.

باختصار إن لم ندرك حالة القلق الاقتصادي اليوم ونعالجها بسياسات إنتاجية جادة ومصارحة حقيقية بين الدولة والمجتمع، فإن ما يبدو استقراراً قد يتحول إلى وهم مريح، نخدر به وعينا بينما تتآكل قواعدنا الاقتصادية بصمت.

اللهم قد قلنا ما في ضميرنا فكن لنا شهيداً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد