: آخر تحديث

أولاد التاجر وأولاد الفلاح..!

3
4
3

عبداللطيف الضويحي

في خضم المتغيرات الكبيرة والتحولات العميقة التي طرأت على المجتمع والتأثيرات المتبادلة مع السوق، دخل الكثير من روّاد الأعمال الجدد إلى السوق راغبين أو مكرهين دون سابق معرفة أو تجربة لهم في مجالات الأعمال أو التجارة.

ينجح كثير من روّاد الأعمال هؤلاء نجاحاً متوسطاً أو نجاحاً باهراً في الداخل والخارج، ويتمكنون خلال فترة وجيزة من صناعة اسم وعلامة تجارية لأعمالهم، مما يتيح لهم كسر سقف المشاريع الصغيرة والمتوسطة سريعاً، وتمكن بعضهم من اللعب مع الكبار في هذا المجال خلال فترة وجيزة.

في المقابل يخفق البعض من روّاد الأعمال عند محطة مفصلية من المشي على حبل معلق بين الخبرة المحدودة وتراكم الخسائر بانتظار لحظة الانفراج التي قد تتأخر أو قد لا تأتي أبداً. فلماذا يفشل بعض روّاد الأعمال الذين تتماثل ظروفهم ومنطلقاتهم ومعطياتهم مع نظرائهم العابرين للنجاح بسرعة؟ أين يكمن سر نجاح هؤلاء وإخفاق أولئك رغم تماثل ظروف هؤلاء وأولئك في كثير من الأحيان؟

في الروايات المحكية والمتناقلة عبر الأجيال، قصة الأب الفلاح والأب التاجر، وما بينهما من اختلاف جوهري بين مدرسة الفلاح في تربية الأبناء، التي تقوم على أن العمل الجاد والتعب والصبر والمثابرة والنفَس الطويل هي الضمانة لزراعة البذور وسقيها والعناية بها وحمايتها من عوامل تقلبات الطقس والجفاف والرياح والأمطار ومن الآفات، وهذا ما يجب أن يتعلمه أبناء الفلاح سلاحاً لتحقيق النجاح والربح غير المرتفع لكنه مستمر في الحياة.

في المقابل، تقوم المدرسة الأخرى، مدرسة التاجر، بتربية الأبناء على فكرة الربح دون عمل أو جهد كبير، أي الربح أو الكسب السريع، دون حاجة للانتظار أو الصبر الطويل. فالتاجر يريد أن يعلم أبناءه على شراء البضاعة بأقل الأسعار وبيعها بأغلى الأسعار، دون حاجة لوقت طويل أو عمل منهك أو صبر ولو كان غير مستمر.

حين يكبر أبناء الفلاح معتمدين على أنفسهم يتصرفون بحكمة وصبر مهيَئين لتحمل التحديات بثبات ونفس طويل بعيداً عن المفاجآت والقرارات الطارئة والتقلبات، ويقبلون بالربح المعقول.

في المقابل ينشأ أولاد التاجر بسلاح رأس المال، وبعض أدوات السوق للكسب السريع والكبير، وقليل من الصبر والتحمل في التعامل مع المستجدات والمفاجآت غير المألوفة وغير التقليدية.

ما تقدم ليس وصفة علاجية لأي من المدرستين التقليديتين، ومن المؤكد أن ما تقدم لا يعني أن هذا هو التشخيص الوحيد للمشكلة التي نحن بصدد نقاشها ومعرفة مسبباتها ومآلاتها. كما أننا لسنا بصدد ترجيح أو تفضيل إحدى المدرستين على الأخرى، لأن الذكاء الاصطناعي والرقمنة والتقنية خلطت الأوراق وفرضت أدوات ومنهجيات جديدة للعبة السوق ومفاعيل المجتمع.

لقد فرض الذكاء الاصطناعي والرقمنة والتقنية على الفلاح والتاجر وأبنائهما وأبناء غيرهما من المهن المختلفة قواعد جديدة للعبة السوق، يمكن أن تجعل المهن كلها مهنة واحدة بعد فترة ليست بالبعيدة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد