الرباط: وسط حضور نخبة من رجال السياسة وجمهور غفير ملأ مسرح محمد الخامس الوطني بالرباط، خلّد حزب الاستقلال المغربي مساء أمس الجمعة ذكرى أربعين رحيل أمينه العام الأسبق، محمد بوستة، الذي يعد أحد رموز السياسة والحركة الوطنية في المغرب المعاصر.
وخص العاهل المغربي الملك محمد السادس، حفل التأبين بتوجيه رسالة تلاها مستشاره عبد اللطيف المنوني، أكد فيها أن المغرب "فقد بوفاة المرحوم بوستة، واحدا من رجالات الدولة الكبار، المشهود لهم بالحكمة وبعد النظر، والالتزام بخدمة قضايا الوطن والمواطنين".
وأضافت الرسالة الملكية أن الفقيد أبان طيلة مساره الحافل بالعطاء الوطني الصادق، عن روح المسؤولية العالية، والتفاني ونكران الذات، في مختلف المهام والمسؤوليات النيابية والحكومية والدبلوماسية، التي تقلدها، بكل كفاءة واقتدار، مشيرا إلى أن "المقام يقتضي أن نستحضر روح ومناقب الفقيد العزيز، باعتباره وطنيا غيورا، ورجل دولة كبيرًا، ومناضلا سياسيا وحزبيا مقتدرا، ونقيبا مجددا، إضافة إلى ما كان يمتاز به من خصال إنسانية رفيعة"، كما سجلت الرسالة الملكية أن الجميع يشهد للراحل بغيرته الوطنية الصادقة، حيث انخرط مبكرا في العمل الوطني، والكفاح من أجل حرية المغرب واستقلاله.
وأشاد العاهل المغربي في رسالته بوفاء بوستة للثوابت والمقدسات، حيث جاء في الرسالة "كما نعرف وفاءه الثابت للعرش العلوي المجيد، وإخلاصه المكين لثوابت الأمة ومقدساتها، وتفانيه في الدفاع عنها، وفي صدارتها عدالة قضيتنا الوطنية، دون أن ننسى انخراطه الفاعل في سبيل نصرة القضية الفلسطينية".
واستحضرت الرسالة الملكية الدور الذي قام به بوستة في إنجاح إخراج مدونة الأسرة التي عرفت تقاطبا حادا بين الإسلاميين واليساريين، "قررنا سنة 2003 تعيين الفقيد على رأس اللجنة الاستشارية المكلفة ادخال إصلاحات جوهرية على مدونة الأحوال الشخصية آنذاك. وبالفعل فقد كان عند حسن ظننا وأدى الأمانة على أكمل وجه، عبر مساهمته البناءة في استكمال اللجنة المذكورة لأشغالها، وإخراج مدونة متقدمة للأسرة".
حميد شباط أمين عام حزب الاستقلال |
واعتبرالملك محمد السادس، في رسالته أن الفقيد كان "مناضلا متمرسا وموهوبا، وزعيما حزبيا حكيما، يقدر العمل السياسي النبيل، ويمارس السياسة بأخلاقياتها، وسمو مقاصدها"، مبرزا أن الراحل "اتسم بأسلوبه المتميز، كرجل منهج وإقناع، أكثر منه رجل سجال، يدرك بحدسه أن ماهية العمل السياسي الجاد هي بالأساس، بحث شاق ودائم لتحقيق التعبئة الضرورية لبلوغ الأهداف الملائمة لكل مرحلة، وكل ذلك في إطار وعي عميق بأهمية الانخراط في الحفاظ على التوازنات الكبرى المؤسسة للدولة المغربية، وإعطاء الأولوية للعمل المشترك الهادف".
وزاد الملك قائلا: "إننا لم نعتبره أبدا (حكيما صامتا) بل "حكيما" بالمعنى الكامل للكلمة. يعرف متى لا يتكلم، ومتى لا يصمت. وهو نهج رصين سار عليه، رحمه الله، إلى آخر أيامه، ومهما أبرزنا من خصال الفقيد، فسنكون مجحفين في حقه، إذا لم نتطرق لجانبه الإنساني الأصيل".
كما شهد الحفل التأبيني إجماع عدد من السياسيين ورجال الحركة الوطنية، في كلمات متتالية على أن الراحل محمد بوستة، خلف وراءه مسيرة مليىة بالعطاء والوطنية الصادقة في الدفاع عن سيادة الوطن وتوابثه، ومناصرة القضايا العربية والاسلامية والانحياز لقيم التحرر والعدالة والديمقراطية.
من جهته، استعرض محمد الدويري، القيادي في حزب الاستقلال ورفيق درب الراحل بوستة، أهم المحطات النضالية التي جمعته بالفقيد وقلة من رجال الحركة الوطنية في مسيرة النضال الوطني، منوها بالادوار المحورية التي أسندت للراحل، معتبرا أنه أنجز من خلالها "الكثير لفائدة التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمغرب".
وسجل الدويري، في مداخلته المطولة حول مسار الراحل، الذي جمعته به صداقة دامت لأزيد من 70 سنة ، لافتا الى أنه "سيظل مفخرة يعتز بها المغرب"، حيث شدد أمام الحاضرين على استمرارية حزب الاستقلال في الالتزام بـ"القيم والمبادئ التي عاش لها وبها الراحل بوستة والتي تظل خير عزاء في فقدان رجل من طينته"، كما أكد المتحدث ذاته، أن الراحل مثل "خط التوازن والاعتدال في حزبه وفي السياسة الوطنية".
ولم يخرج الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، عباس الفاسي، عما ذهب إليه الدويري، حيث عدد في كلمة بالمناسبة الجوانب المضيئة في مسيرة الراحل "السياسية والنضالية والمهنية الحافلة بالمواقف الانسانية".
كما اعتبر الفاسي أن الراحل بوستة يعد من الرواد الذين وضعوا "أسس الدبلوماسية المغربية"، لافتا أنه طبع بصماته بشكل واضح في مختلف المرافق الوزارية التي تولى قيادتها طيلة مسيرته الطويلة، مشيدا بمرونته وسعيه للتوافق "كان مرنا ورجل توافقات، وفي ذات الوقت حازما وصارما عندما يتعلق الامر بالثوابت والمبادئ".
من جهته، أفاد حميد شباط، أمين عام حزب الاستقلال، بأن الراحل يعد واحدا من الرجال الذين طبعوا مسار المغرب وعايشوا أهم وأدق المراحل وأصعبها، مذكرا برفضه المشاركة في الحكومة بسبب وجود إحدى الشخصيات التي كانت ضالعة في تزوير الانتخابات، وذلك في إشارة إلى الراحل إدريس البصري، وزير الداخلية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
وأكد شباط أن الراحل بوستة، سيظل "نموذجا وقدوة في العمل الوطني"، مبرزا أن الراحل كان "رجل القانون والسياسية، وفي ذات الوقت محبًا للفلسفة ودارسها، وهو السياسي الممارس، والحقوقي الذي ظل مكتبه قبلة للمظلومين".
وقدم عدد من ممثلي الاحزاب المغربية بدورهم شهادات في حق الراحل تحدثوا فيها عن الخصال الطيبة التي ميزت مسيرة الفقيد ومواقفه الواعية والمتبصرة سواء في العمل الحزبي أو الموقع الحكومي الذي تقلد فيه عددا من المناصب، كوزارة الخارجية والتعاون ووزارة العدل.