: آخر تحديث

«الصحبة الحلوة» يكشف عن موهبة صاعدة ويُعيد الاعتبار للجدّات

7
6
6

إيلاف من لندن: "الصحبة الحلوة" هو مسلسل درامي اجتماعي مازال يعرض على منصة (شاهد) ويُعيد الفنانة القديرة هدى حسين إلى الشاشة بأسلوب جديد، ويمنح الضوء لفئة غالبًا ما يُغفَل عنها في الإنتاجات العربية: الجدّات.

تدور القصة حول ثلاث صديقات في السبعينيات من أعمارهن، يجتمعن في رحلة للبحث عن صديقتهن الرابعة، في مسار يحمل رمزية الأمل والاستمرار رغم تقدم العمر.

وكأنّ هذه الرحلة ليست مجرد بحث عن صديقة، بل بحث عن معنى جديد للحياة، واستعادة للقيمة الذاتية.

النص الدرامي: خفة في الطرح وعمق في الرسالة
ما يميز العمل أنه خفيف على القلب وذو طابع مبهج، دون أن يتخلى عن العمق الاجتماعي. 

من أبرز الجوانب اللطيفة في المسلسل الطرافة والسخرية التي تتعامل بها الشخصيات مع كِبَر السن: ضعف الذاكرة، آلام المفاصل، صعوبة البصر وغيرها من التغيرات الطبيعية التي ترافق تقدم العمر.

وما يُحسب للنص أنه يُسلط الضوء على هذه المرحلة العمرية دون شفقة ولا مبالغة، بل بروح من الدعابة والصدق، وهو أمر نادر في الدراما الخليجية.

كما يلفت الانتباه طرح المسلسل لثقافة "الافتراض" في علاقتنا مع الجدّات، خصوصًا عند الأحفاد: نُعامل وجودهن كأمرٍ مُسلَّم به، ونُسقِط عليهن أدوارًا إضافية (مثل تربية الأحفاد) دون أن ننتبه إلى طاقاتهن المحدودة، أو رغباتهن المُهمَلة.

ومن خلال شخصية "فيضة" التي تلعب دورها (هبة المطيري) تتجلّى هذه المعضلة الإنسانية بشكل مؤلم وواقعي: جدّة تتحمّل مسؤوليات لا يُفترَض بها تحمّلها، فقط لأن الأبناء يرون أن منحها الأطفال يملأ وقت فراغها ويمنحها "سعادة".

هنا يطرح النص تساؤلًا عميقًا:
هل محبة الجدة لأحفادها مبرِّر لاستنزافها؟
وهل من العدل تحميلها تبعات أمٍّ غائبة، بدعوى أنها "ستفعلها بحب"؟

الدراما هنا تنحاز للجدة كإنسانة قبل أن تكون رمزًا عائليًا، وتُطلق نداءً ضمنيًا: رفقًا بالجدّات، فهُنّ لا يشتكين، لكنهن يتحمّلن فوق طاقتهن بصمت.

ولادة موهبة صاعدة:
هدى حسين (سدرة) تؤكد مرة أخرى أنها قادرة على التجدد، وتُؤدي الشخصية بخفة وروح عالية، فهدى لاتخفق أبدا، وكلما تكبر تؤكد أنها تزداد تألقا.

كما تُقدّم فينسيا هارون (موزة) أداءً كوميديًا أنيقًا مثلها. يجعل المتفرج يتمنى أن يستطيع أخذ الحياة بمنطلقها.  ومشاهدها تجلب السعادة.

لكن المفاجأة الكبرى كانت الفنانة هبة المطيري (فيضة)، التي يمكن وصفها بأنها موهبة صاعدة تستحق المتابعة. 

أداؤها اتسم بالثبات والهدوء، وكانت نظراتها قادرة على التعبير دون كلمات، وكأننا أمام ممثلة متمرّسة، رغم أن الدور يُعد من أولى تجاربها.

تميزها لم يقتصر على التمثيل فقط، بل أجادَت لهجتها البدوية بإتقان، خالية من التصنّع أو الثقل المعتاد في بعض الأعمال الخليجية. ويُتنبّأ لها أن تترك بصمتها الخاصة مستقبلًا في المشهد الفني الخليجي.

المخرج محمد الشمري قدّم رؤية إخراجية بسيطة لكنها فعالة. إحدى اللمسات الذكية كانت فكرة أن يتحدث الأبطال مباشرة إلى الكاميرا، مما أضاف عنصرًا من التفاعل الحميم مع المشاهد، وأضفى بُعدًا مسرحيًا لطيفًا.

أما النص الذي كتبه عبدالله الحسيني وعبدالعزيز السبيعي، فكان موفقًا في المزج بين الخفة والرسالة، والاقتراب من تفاصيل مُهمَلة في حياتنا اليومية.
"الصحبة الحلوة" ليس مجرد مسلسل عن الجدّات، بل هو رسالة حب وامتنان لكل امرأة كَبُرت وتُركت في الهامش، وهو في الوقت نفسه دعوة للأمهات للتأمل في علاقتهن مع أبنائهن.

عمل عائلي يستحق المشاهدة… خصوصًا مع جدّتك. ووالدتك.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ترفيه