"إيلاف- المغرب" من الرباط: تطفو مؤخراً ظاهرة جديدة على الساحة الفنية في المغرب، وهي "إقدام بعض المطربات المغربيات الشابات على إعادة تقديم أعمال المغنيات الشيخات". وفي حين يصفها البعض بـ "موضة" سوف ينقضي أثرها بعد حين مثل غيرها من الموجات العابرة التي لم تصمد طويلاً بوجه تحولات الزمان، يرى آخرون أن في ذلك إحياءً للتراث التقليدي.
وينطلق هذا الجدل من إقدام بعض المطربات المغربيات الشابات من الجيل الجديد على تسجيل بعض الأغاني الشائعة القديمة لـ"الشيخات" (المغنيات الشعبيات)، بعد استبدال كلماتها وإعادة توزيعها من الناحية الموسيقية، سعياً وراء المزيد من الشهرة والإنتشار الفني.
الخطوة الأولى
بدأت الحكاية قبل عدة شهور، مع المطربة أسماء المنور التي أطلقت أغنية "عندو الزين" في شكل شريط فيديو سرعان ما تم تداوله على نطاق جماهيري واسع عبر شبكة الإنترنت، مروراً بالفضائيات والإذاعات الخاصة ومنصات التواصل الإجتماعي .
وأثار ظهور هذه الأغنية جدلاً واسعا باعتبارها مسروقة. ما جعل "لمنور" تخرج عن صمتها، لتنفي عنها صفة اللصوصية الفنية، ولتوضح بالتالي عبر تدوينة لها، أن الكلمات جديدة، باستثناء "عندو الزين عندو الحمام في دارو"، وأن مطلع اللحن أيضاً مستوحى من فنٍ غنائي نسائي كان متداولاً لدى النساء في الحفلات والمناسبات العائلية.
استلهام التراث
وأمام الرواج الكاسح لشريط فيديو "عندو الزين"، الذي حقق أعلى المعدلات بـ 13 مليون مشاهدة، بعد طرحه، أطلقت سلمى رشيد، خريجة برنامج "أراب ايدول" بدورها أغنية مستلهمة من التراث الشعبي القديم، بعنوان "أش جاء يدير في الثلاثة دالليل؟ "،(ماذا جاء يفعل في الساعة الثالثة ليلا؟")، بعد تصويرها في شريط فيديو بمصر، دون أن تطلب الموافقة من صاحبتها الأصلية الحاجة الحمداوية، معتبرة إياها من التراث المغربي، على حد تصريحٍ صحفي منسوب إليها.
وحينما قوبلت بالإتهام من طرف إحدى الصحف بكونها تقلد زميلتها أسماء لمنور في نفس الفكرة، أي إعادة تسجيل أغنية قديمة بتوزيعٍ جديد وكلمات عصرية حديثة، ردت "رشيد" أن مقارنتها بهذه المغنية شرف لها، نظراً لمكانتها في الساحة الفنية، مشيرةً إلى أنهما معا تكثفان جهودهما في خدمة الفن المغربي، والمهم بالنسبة إليها، حسب قولها، ان أغنية "أش جاء يدير في الثلاثة دالليل؟" حظيت بنجاحٍ كبير لم تكن تتوقعه.
الخطوة الثالثة
أما الخطوة الثالثة لتي سارت في هذا النهج الفني، فقد جاءت في شكل أغنية قديمة بعنوان "أمي دادا حنا"، بصوت المطربة منى أسعد التي أهدتها إلى روح والدها الفنان محمد الباشا، وهو واضع كلماتها وملحنها، وقد وافاه الأجل المحتوم مؤخراً. علما بأنه من رواد الطرب الشعبي، كملحن وعازف عود، وسبق له أن عمل في الفرق الموسيقية إلى جانب أشهر "الشيخات" في المغرب، مثل الحاجة الحمداوية و غيرها.
رأي الباحث
في محاولة من "إيلاف- المغرب" لوضع هذه الظاهرة الفنية تحت مجهر التقييم، طلبت رأي الدكتور نسيم حداد، الباحث في التراث الشعبي، فعبر عن اعتقاده، بأنها "مسألة صحية"، قبل أن يستدرك قائلا، إن بعض المحافظين يرون في ذلك تعديا على حرمات تراثهم، خصوصا إذا كان ذلك الاقتباس لا يرقى إلى مستوى الموروث الثقافي للبلاد.
وعزا الباحث ذلك إلى غياب ما سماه بغياب"القاعدة الفنية" لدى بعض الملحنين والموزعين، وكتاب الكلمات، والتي معينها بالأساس التراث الثقافي التقليدي باعتباره نتاجا لتراكم مهارات فنية لعدد غير محدود من الفنانين والمبدعين.
وشدد على أن المسألة لا تعدو أن تكون حفاظا على الموروث الغنائي للمغرب، معتبرا أن "إشكالية الحفاظ على التراث اللامادي تتطلب أسسا أكاديمية علمية، مصحوبة بتصور ثقافي وقناعات عامة تسطرها الجهات المعنية بالحقل الثقافي والفني للبلاد".
وحسما للجدل المثار حاليا حول عودة مطربي ومطربات الأغنية الشبابية إلى الأغاني الشعبية القديمة، وتسجيلها وفق توزيع موسيقي جديد، أكد أن الاقتباس من التراث يظل حقا مكفولا لكل فنان بحكم انتمائه لهذا الوطن، بعيدا عن كونه حفظا وتوثيقا للموروث الغنائي التقليدي المغربي.
وحرص في ختام تصريحه على الإشادة ب"محاولة الرجوع إلى التراث، فهذه مبادرة حسنة تحسب لهؤلاء الفنانين الشباب، ولو أن بعضا مما تمت إعادته لايعدو سوى أغنيات موسمية قديمة ولا ترقى إلى مستوى موروثنا التقليدي، لذا لا أجد سوى التشجيع على المضي قدما في الاعتماد على موروثنا الثقافي الغني من أجل بناء مستقبل فني راق سيسائلنا التاريخ، من دون شك عليه."