أكتب هذا المقال، بل وبالأحرى أعيد نشره تحت نفس العنوان مع تعديلات طفيفة، بعد أن كنتُ قد نشرته عام 2018 إثر ما طرحه الرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الأولى من فكرة إنهاء منظمة الأونروا. واليوم، أعود لأؤيده فيما يطرحه من أفكار لحل معضلة قطاع غزة بعد الحرب التي اندلعت عقب هجوم حماس على بلدات غلاف غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وما جرّته من دمار على هذا القطاع. وإليكم المقال:
أنا الفلسطيني، ذقت القتل والتقتيل، ذقت التشريد واللجوء، ذقت الحروب والهروب، عايشت المآسي بكل أشكالها على مدار أكثر من قرن، بل وأكثر. وما ذقته من ويلات كان على يد إخوتي، أبناء جلدتي، الذين رأوا أنَّ ركوب موجات القومية والوطنية والتنظيمية والدين هو السبيل للوصول إلى الوطن المنشود. لكن من سبقنا إلى هذا الوطن كانوا أكثر صدقًا في انتمائهم إليه، إذ تعلموا من التاريخ ألا يكذبوا على أنفسهم، فاستخلصوا العبرة وأقاموا دولتهم بعد آلاف السنين من التشريد.
أنا الفلسطيني اللاجئ والمشرّد بين مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان، بل وحتى في إسرائيل، أتساءل: ماذا قدّمت لي بطاقة اللاجئ سوى أنها جعلتني وأبنائي وأسرتي ننتظر بعض الزيت والقمح لا غير؟ هذه الصفة التي يريدون مني التمسك بها، بل الأصح أن الوطنيين من راكبي الموجات، من الزعماء التنظيميين في فتح والجبهة وحماس والجهاد، هم من يريدون إبقاءنا أسرى لهذه الهوية، يساندهم في ذلك دول عديدة لا حصر لها. فالمنتفعون والمتاجرون بالقضية الفلسطينية لن ينتهوا، طالما أننا نقبل بأن نكون مطايا لهم، ونرفض أن ننزع عنا الأثواب التي ألبسونا إياها، وأهمها صفة "لاجئ".
يريدون لنا أن نبقى لاجئين متسوّلين، بينما هم الأسياد الذين ينعمون بالحياة في ليالي الأنس في فيينا، وأبناؤهم يعيشون في دبي وعمان وباريس، بينما أبناؤنا يقبعون في المخيمات.
إقرأ أيضاً: فلتطارد اللعنات حماس إلى يوم الدين
نحن لسنا لاجئين! نحن بشر، وأبناؤنا بشر. نريد أن نعيش، ونريد لأبنائنا أن يعيشوا، أن يبنوا مستقبلهم، وأن يشقوا طريقهم بعيدًا عن أمراض الماضي وغباره. نريد أن نخرج من أزقة المخيمات ومن تحت أسطح العشوائيات، نريد أن نبني مجتمعًا متحضرًا، لا أن نبقى غارقين في أمراض المخيمات النفسية والجسدية.
وإن كان أول الطريق هو وقف المساعدات عن الأونروا وإلغاؤها، فأنا هنا أتوجه بالشكر إلى ترامب، وأنا فلسطيني. وأتمنى أن يكمل خطته بهدم كل المخيمات حيثما وُجدت، فوطني أنا الفلسطيني هو حيث أعيش، وطني هو حيث يمكن لأبنائي أن يحظوا بحياة كريمة ومستقبل واعد، وليس حيث الموت والتشريد والقتل والانغماس في بؤس المخيمات وأزقتها الموحلة.
إقرأ أيضاً: رسالة إلى جلالة ملك الأردن
أشدّ على يدك، سيدي ترامب، وأطالبك بالمضي قدمًا. وأنا الفلسطيني معك!
وإن كان الحل يتطلب نقل الغزيين إلى دول أخرى، كما يطالب كثير منهم بعد الحرب، فلا بأس بذلك، لعلهم يجدون دولًا توفر لهم حياة كريمة بعيدًا عن كونهم مجرد بيادق تُقدَّم قرابين لمشاريع سياسية لا علاقة لها بالحياة، بل كلها موت.
فسيدي ترامب، أنقذنا من براثن الموت والتشريد، ونحن معك.