علي محمد المطروشي
حينما نفتح صنبور المياه في بيوتنا ومرافقنا ومؤسساتنا فينزل منه الماء صافياً دفاقاً نستذكر نعمة الخالق، وقوله تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، ويمكن أن يكون تقديرنا لهذه النعمة العظيمة أكبر إذا علمنا معاناة أجدادنا في سبيل الحصول على ماء الشرب في وقت لم تكن تمديدات المياه قد دخلت مجتمع الإمارات بعد، ولو رحنا نبحث عن مصادر المياه في تلك الحقبة لوجدنا أن المدن الساحلية كانت تعتمد على مياه الآبار، وهي نوعان: الطوي: وجمعها اطواية واطوَى، وتكون غالباً بعيدةً عن البحر، وماؤها عذب صالح للشرب ويطلق عليه جِريح (أصلها الفصيح: قُـراح).
النوع الثاني الخريجة: وجمعها خرايج، وهي الآبار المنزلية في الأحياء السكنية المجاورة للبحر، وتتميز بنسبة ملوحة عالية مقارنةً بماء الطوي، ولهذا يقتصر استعمالها على الطبخ والغسيل والاستحمام وسقي المواشي، وفي سبيل توفير الماء العذب للأسرة كانت نساء الأسر المتوسطة والفقيرة يعتمدن على أنفسهن في جلب الماء كل يومين أو ثلاثة، فيخرجن في مجموعة صغيرة متجهات إلى الطواية في وقت مبكر ويقمن بسحب الماء وتعبئة القِرب الجلدية وحملها على كواهلهن لمسافات تصل أحياناً إلى كيلومتر أو أكثر، وعند الوصول إلى البيت يتم إفراغُ الماء في الخرس الفخاري أو الحِب، ويكون الشرب منه باقتصاد دون إسراف.
كما كان هناك سقاؤون يمتهنون إمداد البيوت وسفن الغوص على اللؤلؤ وسفن الأسفار البعيدة بالمياه العذبة، وبينما كان بعضهم ينقل الماء على ظهر حمار يحمل على كل جانب منه تنكتين (بيبين) من الماء يتم سدها بليفة النخيل، فإن البعض الآخر كان يحمل تنكتين معلقتين في طرفي خشبة يحملها على كاهله ويطلق عليه (بو كندر).
وكان نواخذة السفن يتفقون مع مقاول معين على تعبئة خزان السفينة (الفنطاس) بالمياه العذبة، فيقوم المقاول بتسيير قافلة من الحمير المحملة بأبيات الماء (التنكات) إلى السفينة الراسية قرب الشاطئ والتعاون مع بحارتها للإفراغ في الفنطاس.
ويطلق على السقائين اسم (لِمْرَويِة) والمفرد (لمرَوِّي) المشتقة من (الري) وأحياناً اسم (هاويه).
كما تعمل بعض النساء الفقيرات في مهنة المروي، حيث تعمل لدى بعض بيوت الأثرياء لتكسب لقمة العيش من وراء عملها الشاق.
ولهذا فإننا ينبغي ونحن نستذكر تلك المعاناة أن نتبنى قيمة (ترشيد استهلاك المياه وعدم استنزاف موارد المياه الثمينة) حفاظاً عليها من النفاد.