: آخر تحديث

حقوق الآباء وعقوق الأبناء!

3
2
2

رشاد أبو داود

لم يخطر في بال الرجل أن ينتهي به الحال من رجل أعمال ثري إلى متسول على الرصيف. ليس بسبب خسارة أو تجارة أو خطأ مدمر. لا.. السبب ابنه!

أيضاً، ليس لأن الولد أدار أعمال والده بطريقة عشوائية، وليس لأنه أهدر أموالاً طائلة على موائد القمار بين الحسناوات ورفقاء السوء، بل لأنه فضل زوجته السيئة على والده الطيب.

ثمة حكايات مثلها في العالم، سواء من جهة الأب أو الأم لحكاية ذاك الرجل من سنغافورة. توفيت زوجته وأصبح يعيش وحيداً مع ابنه في بيته الفخم. حرص على أن يتعلم ابنه أفضل تعليم، وحينما تخرج في الجامعة تزوج الفتاة التي أحبها.

أسكن الأب ابنه وزوجته معه في البيت الفاره الفخم، وراح يحلم بتمضية آخر العمر مع أحفاده. ألم يقولوا «ما أغلى من الولد إلا ولد الولد؟». حينما جاءه الحفيد الأول شعر الرجل بفرح عمره. وماذا يريد غير ذلك؟ هنا قرر أن يسجل بيته وكل ما يملك باسم ابنه عبر محامٍ.

ولكن رياح الحياة لم تجرِ بما يحلم الرجل!

بدأت الزوجة تثير الخلافات في «العائلة السعيدة» وتحرض زوجها على أبيه لدرجة أنها كانت تمنع ابنها الاختلاط مع جده الذي كان يجد في احتضانه واللعب معه كل سعادة الدنيا. حاول الأب تطويق الخلافات على حساب كرامته التي كانت تتآكل تدريجياً ولكن بلا جدوى.

الابن العاق ذو القلب الأعمى رضخ لطلب زوجته وطرد والده من بيته، أعني بيت الأب أصلاً. ولم يكن الأب يملك ما يوفر له لقمة العيش. ولم يجد مبيتاً ومسكناً إلا الرصيف وما من مهنة إلا التسول.

بينما هو جالس يتسول مر به شريكه السابق ليعطيه صدقة من دون أن يعرفه. وحينما اقترب منه تعرف إليه. هل أنت فلان؟ رفع الرجل رأسه؟ نعم. قالها بصوت بالكاد يخرج من حنجرته الجافة. أخذه إلى بيته وأحسن ضيافته. سأله: ماذا جرى لك؟ هل أوصلتك الحياة إلى هنا ؟ لا ليست الحياة. إنه ابني. قالها بدموعه قبل لسانه.

انتشرت حكايته بين زملائه وفي الصحف إلى أن وصلت إلى رئيس الوزراء الذي غضب جداً. وما كان منه إلا أن استدعى الابن العاق وزوجته. شتمهما ووبخهما ومنعهما دخول البيت. واستدعى كاتب العدل وتم إلغاء ميراث الأب لابنه. وأصدر مرسوماً يمنع الآباء توريث ممتلكاتهم لأي شخص قبل وفاتهم.

ابن آخر عاق، سأل محامياً عن كيفية رفع قضية حجر على والده وما المستندات اللازمة؟ قال له المحامي: المطلوب عشرة مستندات منها، صورة لوالدك وهو يركض بوالدتك إلى المستشفى عند ولادتك، صورة له وهو يحملك فرحاً حينما أتيت إلى هذه الدنيا، صورة وهو يجلس بجانب سريرك ويضع يده على جبهتك ليتأكد من حرارتك، وهو يتحمل تعب الدنيا ليوفر لك لقمة العيش، صورة وهو يستدين المال ليدفع رسوم دراستك، وصورة وهو يجمع المال ليفرح بك زوجاً وأباً.

كم من حكايات مشابهة محزنة لعقوق الوالدين في هذا العالم؟! البر بالوالدين وخاصة الأم دعا إليه الخالق سبحانه وتعالى عبر كل الأديان السماوية. فقد جاء في سفر الخروج «أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض».

وثمة قول مأثور لنابليون بونابرت «الأم التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بشمالها». أما الإسلام فيكفي أن الله أقرن الوالدين بجلاله في الآية الكريمة «وقضى ربك ألّا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً».

بعيداً عن الحروب والقتل والدمار وعن أطفال يتامى ونساء يترملن، في النفس البشرية ثمة حروب بين الخير والشر، إما أن تقرب الإنسان من النار وإما من الجنة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد