: آخر تحديث

أسعد الشيباني البلبلُ الغردُ

3
2
2

البلبلُ الغرِّدُ الذي هزَّ الرُّبى... وشجى الغصونَ، وحرَّكَ الأوراقا

لم أجد أفضل من بيت الشعر أعلاه، للشاعر الكردي الأصل أحمد شوقي، لوصف مشاعري كمتلقٍّ كردي، وأنا أستمع للوزير السوري أسعد الشيباني، صادحًا مغرّدًا باللغة الكردية.

خلال القرون الخمسة الماضية من حكم حزب البعث، حُكم الأسد الأب السيئ الصيت، وابنه الفار المخلوع السيئ الصيت كذلك، لم أرَ أو أسمع أنَّ مسؤولًا رفيعًا كان أو صغيرًا، قد خاطبنا بود، وعاملنا بلطف، وحدثنا بلغتنا محترمًا هويتنا، كما فعل الوزير أنس الشيباني، فكان وقع تغريدته على القلب الكردي المجروح بلسمًا، وعلى سمعه لحنًا وطربًا، وعلى صدره المثقل بالغم والأسى بردًا وسلامًا.

تغريدة سعادته لم تحمل في طياتها الجانب "الحلو" فحسب، بل كانت حافزًا لتنشيط ذاكرتنا الكردية، لاستحضار الجانب الآخر المر من ماضينا، المزدحم بالقهر والقمع والدونية. اللغة الكردية المستخدمة في تغريدة الوزير السوري على منصة "إكس" هي وحدها التي جعلت من هذه التغريدة فريدة من نوعها، ولا بد من التذكير هنا أن النظام السوري البائد، بإنكاره وتجاهله للغة الكردية، لا بل حتى منعه التحدث بها في المؤسسات والمرافق العامة، واعتماده العربية كلغة رسمية وحيدة معترف بها، كإجراء تعسفي شوفيني بغيض، لا يشكل في الحقيقة إلا قطرة صغيرة في محيط الظلم الشاسع الذي تعرضنا له نحن كرد سورية.

الإجراءات الشوفينية المنهجية التي استهدفت الوجود الكردي السوري، حاضرة بقوة في الذاكرة الكردية، كقانون الإحصاء الجائر لعام 1962، والذي بموجبه تم تجريد 120 ألف كردي سوري من حق المواطنة، حيث "وبشخطة قلم"، أضحى هؤلاء أجانب على أرضهم وفي وطنهم، بلا حقوق ولا واجبات، وكأنهم عدم، مجردون من كل حقوقهم المدنية والسياسية. ومن حالفه الحظ، وأنا منهم، كنا نحمل في جيوبنا بطاقة الهوية السورية، تثبت عروبتنا قبل سوريتنا، تناسقًا وتماشيًا وعلى وزن اسم وطننا المعرّب أيضًا، الجمهورية العربية السورية.

إقرأ أيضاً: لا مكان للتطرف الديني في سوريا

النظام السوري السابق، بشقيه المقبور منه والمخلوع، لم تقتصر سياساته تجاه كرد سورية على عدم الاعتراف بهم كمكون سوري، ولا بلغتهم كلغة رسمية أو غير رسمية، بل عمد وعمل على تعريب كل شيء كان قابلًا للتعريب في المناطق ذات الغالبية الكردية، من مدن وقرى وحارات وجسور وطرق ومساجد ومدارس وساحات وأسواق وصالات وملاعب، إلخ... لم يترك شيئًا إلا وعربه، لكن أكثر تلك الإجراءات التعريبية التعسفية بشاعة وعلى الإطلاق، كان الحزام العربي الذي جرى تنفيذه في منتصف السبعينات من القرن الماضي، بتوطين أكثر من 4000 أسرة عربية تم جلبهم من محافظة الرقة وإسكانهم في 45 قرية نموذجية تم بناؤها من قبل الدولة في المناطق الكردية وعلى طول الحدود السورية التركية.

بالعودة لتغريدة وزير الخارجية السوري، اختلفت ردود الفعل على تلك التغريدة كرديًا، على اختلاف انتماءاتهم وميولهم السياسية والثقافية، منهم من اعتبرها مجرد مناورة سياسية غير موفقة من جانب الوزير وإدارته المؤقتة، الغاية منها كسب تعاطف الشارع الكردي لا أكثر ولا أقل، وآخرون اعتبروها بادرة طيبة من قبل سيادته، جاءت في وقتها لطمأنة الجمهور الكردي، واعتبروها بداية جيدة، تخدم النوايا الحميدة المعلنة للإدارة المؤقتة في دمشق، لبناء سورية جديدة قائمة على أسس عادلة ومنصفة لكل أهلها.

إقرأ أيضاً: سورية جميلة وعطرة كالياسمين

شخصيًا، أنتمي للرأي الأخير وأنحاز إليه بشدة، فتلك التغريدة بحد ذاتها، على الرغم من كونها مجرد تغريدة، هي بادرة خير ولفتة كريمة من سيادته، لكنها لا تفي بالغرض وغير كافية، ما لم يتم بصدق وبجدية تامة، العمل على رفع الغبن والعدوان التاريخي الذي تعرض له الكرد السوريون، من قبل الإدارة السورية الحالية، كالاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، والاعتراف بالكرد دستوريًا كثاني أكبر قومية في البلاد، والعودة لاستخدام الاسم القديم للبلاد في المحافل الدولية، الجمهورية السورية بدلًا من الجمهورية العربية السورية، لأنه الاسم الأكثر تعبيرًا عن حقيقة الشعب السوري، أو بالأحرى الشعوب السورية. كذلك الأمر، وبحكم أن الكرد أقلية تعرضت للظلم من قبل الأغلبية وحكمهم المركزي الشديد على مدى قرون، ولأنهم عانوا من المركز وحكم المركز، هل بإمكان أهل المركز العرب تفهم أهل اللامركز الكرد شركاءهم في الوطن، بإعطائهم فرصة لتدبير أمور مناطقهم بشكل إداري لا مركزي؟ أسئلة عديدة برسم الإجابة، ما علينا سوى الانتظار والترقب لمعرفتها، وإن غدًا لناظره لقريب.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف