انطلاقًا من هذا العنوان، لنتأمل دور مجلس الأمن والمنظمات الدولية خلال تاريخها الطويل بين عين الرضا وعين السخط. ونسأل العديد من الأسئلة لفهم أفضل لصورة يعتريها بعض الغموض عندما يرى البعض دورها ويرى شيئًا من التناقض أو الفتور أو الصمت! فهل صحيح ما قيل من أن مجلس الأمن هو نادي الدول العظمى فقط، تلعب النرد على طاولة مستديرة رسمت عليها خريطة العالم؟ أم هو مجلس يجتمع فيه الخصوم والشرفاء ليديروا العالم؟
وهل باتت فعلاً قرارات مجلس الأمن شماعة تعلق الدول العظمى عليها تحركاتها العسكرية؟ وإذا كان مجلس الأمن والمنظمات الدولية تقوم بعملها، ودورها مهم لضبط النظام العالمي، فكيف نفسر التمادي الإسرائيلي على المدنيين والمناطق السكنية واستخدامها القوة المفرطة تجاههم؟ وكيف تتحرك إسرائيل في أراضٍ يعتبرها المجلس والمنظمات الدولية محتلة؟ كيف تصمت تلك المنظمات هنا وتتحدث في مواضع جغرافية أخرى بصوتها العالي؟!
هذه الأسئلة تفتح الطريق لتأمل دور هذه المنظمات وإدراك دورها بين نظرة سلبية وأخرى إيجابية وثالثة حائرة. تلك التساؤلات وجدت تفاعلًا كبيرًا، نستعرض بعضًا منها نظرًا لمحدودية المساحة المخصصة للمقال ولكي لا يمل القارئ الكريم.
البداية مع رأي سعادة اللواء عبدالرحمن العطاوي، ويقول: "إنها تساؤلات مُحقة، بل ملحة ورائعة، والصياغة مشجعة للتفاعل وتدفع للمشاركة. تحليل الوضع الحالي لمجلس الأمن الدولي يكشف عن تحديات جوهرية تتشابه بشكل ملحوظ مع تلك التي واجهتها عصبة الأمم قبل انهيارها (1920-1946). فبالرغم من الاختلافات الهيكلية والتغيرات في توزيع القوى الدولية منذ تأسيس مجلس الأمن، فإن إشكالية الهيمنة الكبرى على آليات اتخاذ القرار لا تزال قائمة.
حق النقض (الفيتو) الذي تمتلكه الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، والمملكة المتحدة) يعد أحد أبرز مظاهر هذه الهيمنة، إذ يعطل هذا الحق الكثير من القرارات التي قد تكون ضرورية لحل النزاعات الدولية. وفي العديد من الحالات، استخدم هذا الحق بشكل يعكس مصالح هذه الدول بدلاً من المصلحة العامة للمجتمع الدولي. النزاعات المستمرة في الشرق الأوسط، مثل الأزمة السورية والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والقضية الكشميرية، تعكس بوضوح قصور مجلس الأمن في أداء دوره.
فبدلاً من أن يكون هذا المجلس هيئة دولية حيادية قادرة على فرض السلم والأمن، يظهر في العديد من الأحيان كمنصة تتصارع فيها القوى الكبرى لتحقيق مصالحها الخاصة، مما يؤدي إلى تعقيد النزاعات بدلاً من حلها. إذا استمر مجلس الأمن على هذا النحو، فقد يجد نفسه في موقف مشابه لعصبة الأمم قبل انهيارها، حيث يعجز عن تنفيذ قراراته أو التأثير بشكل فعال على الأحداث العالمية.
إقرأ أيضاً: السيناريوهات المختلفة لوقف رحلات الطيران فوق لبنان واسرائيل
لذا، قد يكون هناك حاجة ملحة لإصلاح هيكلية مجلس الأمن وآليات عمله لضمان تحقيق الهدف الأساسي الذي تأسس من أجله، وهو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين بصورة عادلة وفعالة".
ويرى سعادة اللواء الركن (م) محمد بن عبدالرحمن الوابل "أن مجلس الأمن بهذا الوضع يُعتبر أكبر عائق للسلم الدولي، بل أعتقد أنه سبب من أهم أسباب ضعف المنظومة الدولية. فتوسيع تمثيل الدول وإلغاء خيار الفيتو لإنشاء آلية لإنفاذ القرارات الدولية التي تتخذ حيال أي مشكلة سياسية أو عسكرية في العالم، وتكون القرارات إلزامية وغير قابلة للنقض وتحترم من أعضاء الجمعية العمومية، هو الحل. أما خلاف ذلك، ستبقى الهيمنة لذوي الفيتو".
إقرأ أيضاً: لماذا يهتم المتابع العربي بالسباق الرئاسي؟
ونخلص بعد هذا الاستعراض القصير للرأي والتأمل في تاريخ مجلس الأمن، إلى الإقرار بأنه لم يعكس حتى الآن أهميته، عدا كونه المشرع الوحيد للدول الدائمة العضوية فيه. في حين يغيب تمامًا في مواضع سياسية أخرى ولا يوجد تفسير لهذا الغياب سوى الإدراك بأنه أداة أو شماعة لا أكثر. ورأيناه لم يستطع أن يمنع أميركا وبريطانيا من احتلال العراق دون وجود مبرر دولي، ولم يعاقبهما المجتمع الدولي الذي يعاقب دولًا أخرى لاعتبارات بعضها منطقية. والأمثلة كثيرة. وما يلوح في الأفق أن مجلس الأمن فقد مصداقيته ووصل إلى نهاية دوره تقريبًا، والاتجاه الدولي الحالي لتشكيل نظام جديد سيوقف هذا المجلس أو سيعيد تشكيله وفق آليات جديدة تتوافق مع المرحلة والقوى الجديدة الفاعلة.
وبين الواقع والمأمول نقرأ رواية يكتبها المنتصرون دائمًا.