إيلاف من بغداد: في مشهد بدا وكأنه إعلان ولادة من جديد لمحافظة لطالما عانت التهميش، شهدت ذي قار حدثا استثنائيا مع إطلاق 3 مشاريع كبرى تجاوزت قيمتها الإجمالية 2 تريليون دينار عراقي.
فقد وضع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حجر الأساس لها وسط حضور رسمي واسع، وتأتي هذه الخطوة كجزء من تحوّل لافت في سياسة الحكومة تجاه المحافظات الجنوبية، حيث لم تعد المشاريع مقتصرة على الوعود الورقية، بل أصبحت وقائع تنفذها شركات عالمية وسط جدول زمني واضح وميزانيات مرصودة.
محطة كهرباء الناصرية
المشروع الأ ول هو محطة كهرباء الناصرية المركبة، بقدرة إنتاجية تصل إلى 921 ميغاواط، وبكلفة تقديرية تبلغ 880 مليون يورو، وبمدة تنفيذ محددة بـ 41 شهرًا. تتولى تنفيذ المشروع شركتا سيمنس الألمانية وأنكا التركية باستخدام الغاز الطبيعي، في خطوة تهدف إلى تقليل العجز في الطاقة بمحافظات الجنوب وتعزيز الشبكة الوطنية.
المدينة الطبية التخصصية
أما المشروع الثاني، فهو إنشاء المدينة الطبية التخصصية الأكبر من نوعها في العراق، بمساحة 134 دونمًا، وسعة 700 سرير، تضم سبعة مستشفيات تخصصية، ويتم تنفيذها من قبل الشركة الصينية العامة للهندسة الإنشائية بكلفة تبلغ 490 مليار دينار. هذا المشروع لا يمثل مجرد توسعة صحية، بل هو بنية تحتية طبية حديثة تهدف إلى خلق منظومة علاجية متكاملة في جنوب البلاد وتخفيف الضغط عن مؤسسات العاصمة بغداد.
تطوير البنى التحتية في قضاء سوق الشيوخ
ويستهدف المشروع الثالث، تطوير البنى التحتية في قضاء سوق الشيوخ، بكلفة تبلغ 467 مليار دينار عراقي، ويتضمن شبكات طرق، مياه، مجار وخدمات أساسية. ويُستكمل هذا المشروع مع بناء مستشفى جديد في القضاء بسعة 100 سرير، أُطلقت أعماله قبل أيام، ضمن رؤية حكومية متكاملة لتأهيل المدن العراقية المنسية.
ذي قار لم تكن محافظة عادية في جغرافية العراق، فهي من أكثر المحافظات من حيث الكثافة السكانية، وفي الوقت نفسه من الأكثر حرمانًا من المشاريع الكبرى منذ عام 2003. هذه المفارقة جعلت منها مركزا دائما للاحتجاجات الشعبية ومطلبا ملحا لأي حكومة جادة في استعادة ثقة الناس. واليوم، يبدو أن الحكومة الحالية التقطت الرسالة، وبدأت فعليا بترجمة الوعود إلى واقع ملموس.
التعاون مع الشركات العالمية
وخلال الفترة الماضية، فتحت الدولة العراقية باب التعاون مع الشركات العالمية، ونجحت في دفع عجلة الاستثمار الحقيقي، خصوصا في قطاعات الطاقة والبنية التحتية. وما يُحسب لهذه الحكومة هو أنها لا تعلن فقط عن المشاريع في المؤتمرات، بل تحضر إلى مواقع العمل، وتربط بين التنفيذ وبين خطط استراتيجية طويلة الأمد.
ما شهدته ذي قار اليوم لم يكن مجرد استعراض حكومي، بل بداية تحوّل حقيقي في العلاقة بين الدولة والمجتمع الجنوبي، تحول جوهره الفعل لا القول، والتنفيذ لا التسويف. وفي عهد حكومة شعارها “الخدمة أولا”، بدأت المحافظات المنسية تتحول إلى ساحات بناء حقيقية، ترسم ملامح عراق جديد، عراق التنمية بعد طول انتظار.