ما زلت لا أفهم معنى أن تكون سعيدًا؛ ثمة أشياء مختلفة فيما بيننا تشعرنا بالسعادة بالرغم منّا، فأنا حينما أقرأ كتاباً جديداً أشعر بالسعادة، وأريد لهذه السعادة أن تستمر، فأبقى دائماً حريصة على أن أذهب إلى المكتبة أو أبحث عبر العم "غوغل" للاطلاع على أفضل الكتب، وحينما أصل إلى كتاب حقق أرقاماً قياسية في محركات البحث والتعليقات الإيجابية، أتساءل: هل سأكون سعيدة بعد قراءته كما كنت في السابق؟ هذا السؤال لربما يطرحه الكثيرون على أنفسهم: من أين تأتي السعادة؟ وهل نعرف طريقها؟ وهل تكرار ذات الأعمال التي سبق أن جلبت لنا السعادة يمكنه أن يكون أمراً دائماً وقادراً على إشباع أرواحنا بتلك الغيمة اللذيذة؟ وهنا يكمن السؤال.
التساؤل لم يأتِ عبثاً، وإنما لفت انتباهي الخبر الذي كُتب في إحدى الصحف، عن أن فنلندا استطاعت وللعام السادس أن تكون الأكثر سعادة في العالم، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ". يُذكَر أن العلماء في أميركا يقومون سنوياً بجمع بيانات التقرير الذي درس تأثير أزمة جائحة كورونا على سعادة المواطنين، بناء على استطلاعات "معهد غالوب". ووفقاً للتقرير، شملت القائمة أيضاً الدنمارك وإيسلندا وإسرائيل وهولندا والسويد والنرويج وسويسرا ولوكسمبورغ ونيوزيلندا.
وحلّت النمسا وأستراليا في المرتبتين 11 و12، في حين جاءت ألمانيا في المرتبة الـ16، متراجعة مركزين مقارنة بالعام الماضي. وما زالت أفغانستان ولبنان الدولتين الأقل سعادة في التقرير.
وقال الباحثون إنَّ تقييم المواطنين للسعادة استمر في كونه "مرِناً بصورة كبيرة"، بالرغم من جائحة كورونا، حيث كان المتوسط العالمي في 2020 إلى 2022 مرتفعاً بصورة مماثلة لما كان عليه في الأعوام التي سبقت كورونا.
السؤال هنا: كيف استطاع مواطنو فنلندا الحرص على أن يظلوا في قائمة الأكثر سعادة للعام السادس؟ هل هناك سحر يجعلهم يعيشون خارج خريطة العالم الممتلئة بالمآسي والأحزان والأفكار الانتحارية؟ هل يعيش مواطنو الدولة من دون وجود قنوات للتواصل الاجتماعي، أو أجهزة إعلامية تثير بداخلهم الشفقة وتنقل لهم أخباراً لا تمت للفرح بصلة؟ أم أنهم تمرنوا على أن يتجاوزوا منطقة الحظر الممتلئة بالقنابل عبر الطيران فوقها؟
إنني أفهم جيداً لماذا لبنان وأفغانستان في اللائحة الأخيرة، نظراً للفساد الإداري والسياسي في لبنان، والقمع والجهل في دولة كأفغانستان ترفض رفضاً باتاً أن تتطور أو تنتقل من الدرك الأسفل إلى الحياة العادية، ولن أقل الحياة الباذخة كما في أي من الدول التي دخلت في لائحة السعادة واستطاعت أن تفوز فوزاً عظيماً. فمع عودة سيطرة حركة طالبان على مقاليد الأمور، حيث لم تستطع القوات الأفغانية الوقوف أمام طالبان لضعفها الشديد الداخلي، بالرغم من أن الحركة لديها فقط 80 ألفاً من المقاتلين، هذا إذا ما تمت مقارنته بـ 300 ألف و699 جندياً يخدمون الحكومة الأفغانية، ومع ذلك فقد تم اجتياح البلاد بأكملها فعلياً، واستسلم القادة العسكريون دون قتال في غضون ساعات معدودة.
كل ذلك حدث بالرغم من إنفاق 88.3 مليار دولار أميركي على جهود إعادة الإعمار ذات صلة بالأمن في أفغانستان حتى آذار (مارس) 2021.
وأخيراً، نبارك هنا للشعب الفنلندي على الحظوة التي وصل إليها، وليت بعض الدول تتفهم كيف تستطيع أن تجعل من شعبها من أفضل الشعوب من دون تدمير البنية التحتية، وكف أيدي السياسيين وغيرهم عن السرقة جهاراً ونهاراً.