لم يعد الدرب سالكاً أمام النظام الإيراني من أجل المضي قدماً كما كان يفعل خلال العقود الأربعة المنصرمة، بل أصبح السير فيه أصعب ما يكون ويتطلب الكثير من التأني والحذر. والنظام الذي كان بالأمس يسرع الخطى في هذا الدرب ويعتدّ بنفسه أيّما اعتداد، صار اليوم حذراً جداً ويسير فيه سير السلحفاة أو حتى أبطأ من ذلك.
وبالرغم من التصريحات المختلفة للمسؤولين في النظام، ولا سيما الولي الفقيه علي خامنئي، حيث يتم تصوير الأوضاع في إيران وكأنها طبيعية جداً، وإن الأعداء والمتربصين سوءاً بها يصورون خلاف ذلك، لكن مجرد إجراء عملية مقارنة بسيطة بين الأوضاع الحالية وبين نظائرها خلال الأعوام السابقة من جهة، وكذلك إجراء عملية مقارنة بين الخطاب الرسمي للنظام في الحاضر وبين خطابه الرسمي خلال الأعوام السابقة، فإن المرء يجد نفسه أمام تباين نوعي غير عادي، وإن الخطاب الذي كان بالأمس يغلب عليه طابع التشدد والاعتداد والثقة بالنفس، تغيّر اليوم ليغدو خطاباً يغلب عليه التمسكن والحذر والترقب الشديد!
عند جهينة النبأ اليقين، والولي الفقيه خامنئي هو جهينة النظام القائم في إيران، وعنده النبأ اليقين فيما يرتبط بقوة أو ضعف نظامه أو أي أمر آخر ذو صلة بهذا النظام، ومن خلال مراجعة ما جاء في خطابه الأخير أمام هيئة الحج والذي ألقاه الأحد 4 أيار (مايو) 2025، فإنَّ قراءة متأنية لما بين الأسطر في هذا الخطاب، تؤكد أن النظام لا يبدو بخير، بل وإن هناك الكثير من الأمور التي تبعث على القلق وعلى عدم الاطمئنان.
إقرأ أيضاً: برنامج إيران النووي: بين الخداع المستمر وضرورة المراقبة الدولية
شعيرة الحج التي يؤديها المسلمون في كل عام، والتي كانت تسير وفق رسوم ونسق متفق عليه بين المسلمين، ولا سيما من حيث كونه مظهراً من مظاهر الوحدة والتآلف بين المسلمين من شتى أرجاء العالم الإسلامي، جاء هذا النظام ليستخدمها من أجل تحقيق مآربه الخاصة، وليجعلها عاملاً من عوامل التفرقة والتشتت، بزعم أن الحج مسألة عبادية ـ سياسية، كما أوصى مؤسس النظام خميني بذلك. ومع أن هذا النظام ركب أعلى ما في خيله من أجل تحقيق مآربه المشبوهة بهذا الصدد، لكنه، وفي النتيجة، ولأن ما كان يريد تحقيقه مخالفٌ بالأساس لتعاليم الدين الإسلامي ولما هو متعارف عليه بموجب القوانين والأعراف الدولية، فقد فشل فشلاً ذريعاً في جر الحجاج المسلمين إلى فخه المشبوه. ومن دون شك، فإن خامنئي من جانبه قد سعى كثيراً من أجل تحقيق ما كان يحلم به خميني، لكنه، وعاماً بعد عام، لم يحقق إلا الفشل تلو الفشل، حتى جاء خطابه الذي أشرنا إليه آنفاً، ليظهر فيه بمظهر القديس الواعظ، فيتحدث عن الحج بمفردات وتعابير لم يكن يتحدث بها سابقاً. وبدلاً من التركيز على البعد (العبادي ـ السياسي) للحج، كما يزعم النظام في قاموسه السياسي المشبوه من ألفه إلى يائه، فإن التركيز كان على الوحدة الإسلامية والدعوة إليها بصورة تبدو وكأنها تحث البلدان الإسلامية على نصرة هذا النظام!
البلدان العربية والإسلامية على حد سواء، لم ولن تنسَ الدور المشبوه لهذا النظام في تمزيق وحدة الصف الإسلامي بالطروحات المشبوهة التي تخدم المصالح الضيقة للنظام، وإن خامنئي عندما يتحدث عن الوحدة الإسلامية، فإن نظامه هو من كان ولا يزال يقوم بتمويل وتسليح الميليشيات في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، وتغرق الشعوب العربية في بحر من الدم والمآسي.
إقرأ أيضاً: الأبعاد الخفية لانفجار هائل في قلب التجارة الإيرانية
وعندما يتحدث خامنئي في خطابه عن انفجار كان سببه الأساسي تكديس مواد صاروخية تابعة لحرس النظام في مستودعات تجارية مموهة، ويختزل الموضوع في "زلزال أو حريق عابر"، فإن الرسالة واضحة: الهدف هو التستر على المجرم الحقيقي، والتقليل من هول الكارثة لتجنب أي مساءلة أو غضب شعبي قد يشعل انتفاضة جديدة. هذه "الروضات السياسية" التي اعتادها خامنئي في كل أزمة، لم تعد تخدع أحداً. فالشعب الإيراني، رغم القمع والرقابة، يعرف جيداً أن الفاجعة ليست قدراً، بل نتاج مباشر لنظام يحكم بالنار والدم والفساد، ورب إشارة أبلغ من عبارة!