مع كل اكتشاف جديد، واختراع جديد، وتقنية جديدة، تنكشف هشاشة بعض القناعات، ويتغيّر ترتيب الأولويات والمهام، بل وحتى بعض مفاهيم التفوّق والريادة.. فما نراه اليوم بديهيًّا وسهلًا، كان بالأمس صعبًا ومعقّدًا ومحلّ رهبة ودهشة ومقاومة شرسة.. فالكثير من الاختراعات صدمتنا في بداياتها، ثم اكتشفنا لاحقًا أنها لا شيء مقارنة بما تلاها.. والكثير منها كانت ذات يوم معجزة من المعجزات التي لا تُصدّق، وعلامة من علامات الساعة، حتى باتت اليوم نكتة نتداولها لنضحك على براءة الأجيال السابقة.
أحد الأصدقاء قال بحسرة ممزوجة بالحنين: "الله يرحم أبوي.. يوم ركبنا غطاس جنّ جنونه! ما قدر يستوعب كيف يشتغل ويطفي من حاله!".. ضحكنا ونحن نتذكّر صدمات ذلك الجيل، حين دخلت التكنولوجيا حياتهم؛ الدينمو، الغطاس، التلفون، التلفزيون، البيجر، الإنترنت، كاميرا الجوال، ثم مؤخرًا الهواتف الذكية… وغيرها الكثير من الاختراعات التي قاومناها بشراسة، وكأنها جاءت لتخطف حياتنا فإذا بها تُسهِّل الحياة وتوفّر الكثير من الجهد!
كنا في تلك الليلة نتحدث عن جيل عظيم معروف بذكائه الفطري؛ عاش لحظات اندهاش "الدينمو"، وأدرك أهمية هذا الاختراع ومكانته في البيت، حتى كانت مهمة تشغيله وإغلاقه مسؤولية عظيمة تُوكل لمن هو أهل لثقة الأب، ثم لاحقًا تتحوّل إلى كابوس يومي لو حصل وتخلّف الابن/الثقة عن موعد إغلاقه، وفضح إهماله تسرّبُ الماء إلى خارج الخزّان!! كانت عشر دقائق من الرعب وأنت تنتظر الموعد المحدد لإغلاق الدينمو، عشر دقائق تسبقها توصيات وتحذيرات للابن/الثقة لو تأخر دقيقة واحدة و"فاض الماء"!
اليوم صار تشغيل الدينمو مهمة "ذكية" لا تحتاج حتى أن ترفع رأسك عن جوالك.. منظومة كاملة من المشقّة والحكايات اليومية كانت جزءًا من التربية، ومصدرًا للتفاخر والمقارنة، صارت اليوم مجرّد ذكرى مضحكة!
مضت تلك الليلة ونحن نتذكّر الكثير من الصدمات المضحكة، بينما نعيش اليوم في عصر ذكاء اصطناعي يغيّر كل شيء.. حتى نظرتنا إلى المهام، إلى الوظائف، إلى الحِرَف، إلى التعليم، إلى الكتابة، إلى الفن، بل وحتى إلى علاقاتنا الإنسانية!
كل جيل تُولد معه صدمته التي سيسخر منها أبناؤه.. لذلك، فالدرس اليوم ألا نبالغ في الاحتفاظ بما اعتدنا عليه.. فكل تضحية عظيمة، ومقاومة شرسة نراها اليوم.. ستكون نكتة الجيل التالي!