سمر المقرن
دائمًا في النقاش حول الأعمال الأدبية والفنية، من روايات وقصص وأشعار ومسلسلات وأفلام، تنطرح وجهة نظر تقيّم العمل الأدبي أو الفني بالرسالة التي يقدمها، وإذا كان يعطينا درساً أخلاقياً في شيء معين من جوانب الحياة، أو إن كان يُمثل واقعنا أم لا يُمثل!
هل فعلاً الأعمال الأدبية والفنية مطلوب منها أن تحمل رسالة وتوصل قيما معينة وتوعظ الناس؟
أنا فهمي للعمل الإبداعي أنه ليس مرتبطا بالضرورة في جوانب التوجيه والإرشاد والوعظ، هو عمل يُعبر عن حالة إنسانية معينة، بمشاعرها وتقلباتها والصراعات الداخلية التي تخوضها، وصراعها مع محيطها.
هذا التعبير عن حالة إنسانية من الضروري أن نفهمه من زاوية قدرة العمل الأدبي أو الفني على تصوير التفاعلات الداخلية للبشر، وقدرة العمل على دخول أعماق النفس البشرية.
ليس بالضرورة، أن يكون العمل الأدبي أو الفني رسالة وعظية أو إرشادية، وإن حدث هذا بشكل مباشر سوف يقتل إبداعية العمل! كذلك ليس بالضرورة، أن يُعبر العمل عن واقع غالبية المجتمع، لأن هذه الحالة الإنسانية قد تكون «استثنائية»، ولأن خيال المبدع جزء من العمل الإبداعي، ومن هنا نرى مثلاً أفلام خيالية، تتنبأ بالمستقبل أو تصنع تاريخ ما حصل وتبدع في إيجاد قصص تتفاعل فيها مشاعر البشر.
لكن.. هل نظرية «الفن للفن» صحيحة في النظر إلى الأعمال الأدبية والفنية؟
نظرية «الفن للفن» هي نظرية تقول إن الفن لا بد أن يتحرر من أي معايير فكرية أو قيمية، وأن معيار الفن هو قيمة جماليته. بمعنى أنه لا يجب أن يُطلب من الفن أن يعكس أي قيم فكرية أو اجتماعية أو ثقافية، لأنه تعبير جمالي مجرّد من أي تصورات أو أفكار أو قيم، ومن هنا لا يجب تقييمه إلا على هذا الأساس. وفي رأيي الشخصي أن هذا غير ممكن، لأن كل الأعمال الفنية والأدبية لا يُمكن أن تنفصل عن أفكار المبدعين وقيمهم وتصوراتهم وبيئاتهم، وبالتالي هي من تنعكس في أعمالهم الفنية، وبالتالي لا يُمكن أن نحكم على نص أدبي أو عمل درامي مثلاً بدون أن نرى القيم والأفكار التي تصلنا من خلال التفاعلات والمشاعر الإنسانية التي يعرضها لي كمشاهد أو قارئ.
كل عمل إبداعي له سياق ثقافي وقيم يُعبر عنها، ممكن يكون لي رأي إيجابي في التصورات والقيم التي يعرضها العمل، وممكن يكون الرأي سلبيا، وهذا النقاش الطبيعي حول أي عمل فني أو أدبي، لأن الناس تختلف منطلقاتها في تقييم الأفكار والقيم التي يعكسها العمل.
ومن ناحية التقييم الثقافي للعمل فمهم ألاّ يجعلنا نتغافل عن التقييم الجمالي، بمعنى أن يكون تقييم الفيلم أو المسلسل من عدة زوايا: من زاوية الإخراج وإبهار الصورة وأداء الممثلين، ومن ناحية النص والقصة والتحول الدرامي، وكذلك من ناحية السياق الثقافي الأفكار والقيم والتصورات القادمة من خلاله.
مجمل القول، أن تقييم أي عمل فني أو أدبي هو مسألة فيها عدة زاويا، والأكيد أن الوعظ المباشر ليس من وظيفة هذه الأعمال، كما أن فكرة الحكم عليها يكون مجرد من النظر لأفكارها وقيمها أمراً غير ممكن!